مقدمة
كتب كثيرون من المؤلفين عن إيزيس الإلهة المصرية القديمة، لكن أحدا منهم لم يعطها حقها كشخصية تاريخية لها أبعاد متعددة، ولها فلسفة ومبادئ وديانة انتشرت في مصر وانتقلت إلى أوروبا وظلت باقية حتى القرن السادس الميلادي رغم حروب الإبادة التي وجهت ضدها على مر القرون.
لكن معظم المؤلفين تجاهلوا هذه الحقيقة أو جهلوها، ولم يذكروا شيئا عن إيزيس سوى أنها زوجة أوزوريس، وأن الصورة الوحيدة المميزة لها هي صورة الزوجة الوفية، كأنما لم يكن لإيزيس قيمة في حد ذاتها مستقلة عن كونها زوجة أوزوريس أو أم حوريس.
وتعتبر مسرحية إيزيس التي كتبها «توفيق الحكيم»
1
خير مثل على ذلك. وفي بيانه الأخير في نهاية المسرحية المنشورة يؤكد توفيق الحكيم على أن الصورة المميزة لإيزيس هي الوفاء الزوجي، وأن بين شهرزاد وإيزيس وشائج الشبه في علاقة كل منهما بزوجها؛ «كلتاهما قد فعلت شيئا مجيدا لزوجها.» وكذلك أيضا «بنيلوب» اليونانية. لكن الوفاء الزوجي عند بنيلوب كان في رأيه وفاء سلبيا؛ لأنها اكتفت بالجلوس في بيتها تنتظر عودة زوجها وتنسج ثوبها المشهور، لكن وفاء إيزيس كان (في رأيه) إيجابيا.
وبالرغم من أن توفيق الحكيم جعل عنوان مسرحيته «إيزيس»، إلا أن الصراع الرئيسي في المسرحية لم يكن له علاقة بإيزيس سوى أن «سيت» (سماه توفيق الحكيم «طوفيون» كالأسطورة اليونانية) قتل زوجها أوزوريس.
لو لم تكن إيزيس متزوجة من أوزوريس لما كان لها دور في الحياة الفكرية والسياسية، مع أن التاريخ يؤكد دور إيزيس الفكري والفلسفي أكثر من دور زوجها أوزوريس، بل هي التي علمته الفلسفة والطب والزراعة والكتابة والفنون.
وتدور المسرحية حول مفهوم توفيق الحكيم لمعنى المثالية والواقعية، وكيف يمكن للرجل المفكر أن يعادل بينهما. يدور الصراع الرئيسي في المسرحية بين الرجال، وتظل إيزيس صامتة حين يحتدم الصراع بين «نوت» و«مسطاط» كما فعل «مسطاط» ولا يفصل بين الغاية والوسيلة، ولم يلتزم بالغاية وحدها كما فعل نوت ولا تهمه الوسيلة؟!
ولم يكن لإيزيس رأي أو فكر في هذه القضية الأساسية التي بنى عليها توفيق الحكيم مسرحيته، إنها ليست كاتبة ولا مفكرة ولا فيلسوفة مثل نوت ومسطاط، ولكنها مجرد زوجة أوزوريس أو أرملته، ودورها الأساسي هو الوفاء لزوجها، ومن أجل زوجها هي مستعدة لعمل أي شيء حتى الرشوة وانتهاك المبادئ المثالية.
অজানা পৃষ্ঠা