... وإنما استعان النبي عليه السلام بالشعراء لأن العرب من أهل الجاهلية لم يعرفوا كتابا يفزعون إليه ، ولا حكما يقتدون به أجل عندهم من الشعر والشعراء ، ففزعوا إلى الشعراء عند ظهور النبي عليه السلام ، وحملوهم على هجائه ، وذم ما جاء به من الإسلام ، فاستمالوا قلوب العرب إلى ما طبعوا عليه ، فقابل رسول الله شعراءهم بشعراء من المسلمين ؛ فردوا عليهم ، وثبتوا قول رسول الله عليه السلام ، فكان رد الشعراء عنه نصرة له ، ومعونة عليهم ، فلما اتصل من الدين النظام ، وظهرت كلمة النبي عليه السلام ، وأجابته العرب ، وخمد الباطل ، وبطل الاقتداء بالشعراء ، واستغني عنهم ، صاروا أتباعا بعد أن كانوا متبوعين ، فقصدوا الملوك وأولي الثروة ؛ فتملقوهم ، وتضرعوا إليهم ، وتكسبوا بالشعر ، فاستهان الناس بهم / وقلوا في عيونهم، فجروا على ذلك في صدر الإسلام وبعده برهة 8 ب من الدهر ، ونشأ فيهم شعراء مطبوعون ، ليس لهم قرائح الأولين من شعراء الجاهلية والمخضرمين ، فاعتادوا المسألة ، وجعلوها صناعة ، فلما طال ذلك ملهم الناس ، وبرزت العطايا ، وصار الشعر ضعيفا هزلا ، بعد أن كان حكما فصلا ، فبقي النفع بالديوان الأول ، والاحتجاج به على الكلام المختلف فيه ، والقول المتنازع في تأويله ، ولولا ما بالناس من الحاجة إلى تعليم اللغة ، والاستعانة بالشعر على غريب القرآن ، وغريب الحديث ؛ لبطل الشعر وانقرض ذكر الشعراء ، ولعفا الدهر على آثارهم ، ولم يحتج أحد ممن شاهد التنزيل ، وسمع ألفاظ الرسول إلى ذلك ؛ لأنهم قوم عرب مطبوعون على الفصاحة ، ومعرفة اللغة ، واحتاج إليه من بعدهم ؛ لأن الإسلام انتشر ، واختلطت اللغات ، قال الزهري (¬1) : إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغة العرب 0 ... وقد حث النبي وأصحابه على تعلم اللغة والإعراب ، فروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : ( أعربوا القرآن ) (¬1) ، وقال عمر بن الخطاب (¬2) : تعلموا إعراب القرآن كما تعلمون حفظه ، وقال الحسن البصري (¬3) : إن الرجل ليقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها0
পৃষ্ঠা ৩৮