الإشراف
على نكت مسائل الخلاف
القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر
البغدادي المالكي
المتوفى سنة ٤٢٢هـ
قارن بين نسخه وخرج أحاديثه وقدم له
الحبيب بن طاهر
دار ابن حزم
الطبعة الأولى
١٤٢٠هـ- ١٩٩٩م
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
باب الطهارة
[المياه]
[١] مسألة: وصف الماء وغيره بأنه طهور، يفيد أنه طاهر مطهر، خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إنه يفيد كونه طاهرا، ولا يفيد كونه مطهرا، لقوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ فوصف أنه طهور، ثم قال تعالى: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾. فكان ذلك تفسيرا لكونه طهورا، فدل على أن معناه أنه طاهر مطهر، وقوله ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، وقد علم أنه لم يخص بكونها طاهرة، لأنها كانت طاهرة قبله فدل أنه خص بكونها مطهرة، وقوله ﵇ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه)،
1 / 107
فلو كان الطهور معناه الطاهر لم يكن مجيبا لهم. ومثله قوله ﵇: (دباغ الأديم طهوره) معناه يطهره، ولأن أهل اللغة والشرع قصروا هذا الاسم على الماء دون سائر المائعات، فلم يصفوا الخل واللبن ولا غيرهما أنه طهور، ووصفوا الماء بذلك فدل على اختصاصه بمعناه، ولا يصح ذلك في الطهارة وحدها، لأن سائر المائعات شركة فيها فتزول فائدة تخصيصه فصح أنها الطهارة والتطهير، لأن هذه الصيغة مبنية للمبالغة، ومفيدة للتكرار، كقولهم: سيف قطوع، ورجل صبور وشكور، وذلك لا يتصور في الطهارة دون التطهير.
[٢] (فصل) وهذا الذي ذكرناه من تضمنه للتكرار، خلافًا للشافعي، في قوله: إنه لا يتكرر التطهير به، لما ذكرناه من أن هذه الصيغة مبنية للمبالغة، وأنها لا تستعمل إلا فيما يتكرر منه الفعل المبالغ فيه، كقولهم: رجل صبور وشكور وضروب وسيف قطوع وما أشبه ذلك، وفي القول سبب يمنع التكرار استعماله فيما لم يستعملوه فيه، وإبطال معنى المبالغة في الصيغة.
[٣] مسألة: يقال ما أصل الطهارة؟ وما حدها؟ وما أركانها؟ وما شروطها؟ وما حكمها؟ وما نواقضها؟
[٤] مسألة: لا يزال حكم النجس على الأبدان والثياب بمائع غير الماء، خلافًا لأبي حنيفة. لقوله ﵇ في دم الحيض: (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) والمعين لا يقع الامتثال إلا به. ولأن التعيين
1 / 108
يمنع التخير، ولأنها طهارة شرعية فلم تصح باللبن والخل كطهارة الحدث، ولأنها مائع لا يرفع الحدث، فلم يطهر المحل بغسله به أصله المائع النجس. ولأن المائع لما لم يرفع النجاسة عن نفسه لم يرفعها عن غيره عكسه الماء.
[٥] مسألة: ماء البحر طاهر مطهر خلافًا لمن منع. لقوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ فعم، وقوله ﵇ وقد سئل عن المتوضيء بمائه: (هو الطهور ماؤه). ولأنه نوع من المياه فأشبه سائرها.
[٦] مسألة: لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر، لقوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾، فلم يجعل بين الماء والصعيد واسطة، ولأنه مائع لا يجوز الوضوء به حضرا فلم يجز به سفرا كاللبن ولأنه مائع لا يرفع الحدث كسائر المائعات، ولأنه على أصلنا نجس.
[٧] مسألة: إذا تغير أحد أوصاف الماء بزعفران أو عصفر أو غيره مما ينفك منه غالبا فلا يجوز الوضوء به، خلافًا لأبي حنيفة، لأن كل ما لو تغير الماء به عن طبخ منع الوضوء به، فكذلك إذا تغير من غير طبخ، أصله ماء الباقلاء، ولأنه تغير بما ليس بقرار له، وبما ينفك عنه غالبا، فأشبه إذا أغلي فيه.
1 / 109
[إزالة النجاسة]
[٨] مسألة: السيف إذا أصابه دم أجزأ مسحه عن غسله، خلافًا للشافعي، لأنه صقيل متكاتف الأجزاء لا يتخلله النجاسة، ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك، لئلا يفسد متى تكرر غسله.
[٩] (فصل) وفي غسل الخف من أرواث الدواب روايتان: إحداهما: أنه يغسل اعتبارا بالثياب. والأخرى: يمسح، لأن غسله فساد له مع كون الأرواث مكروهة غير نجسة.
[١٠] مسألة: في جلود الميتة إذا دبغت روايتان: إحداهما: أنها باقية على النجاسة لا تطهر بالدباغ، وهو قول أحمد بن حنبل، والأخرى: أنها تطهر، وهو قول ابن وهب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهذه الرواية تخرج. فوجه الأولى وهو عدم الطهارة قوله تعالى: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾، وقوله ﵇: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء). وفي حديث ابن عكيم قال: (أتانا كتاب رسول الله ﷺ إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب). ولأنه جزء من الميتة، نجس بالموت، فوجب أن تتأبد نجاسته كاللحم؛ ولأنه لو قطع حال حياتها كان نجسا فوجب أن لا يطهر بعد
1 / 110
الموت بحال كالعظم؛ ولأنه حيوان فارقته الروح فكان حكم جلده كحكم لحمه كالمذكى والخنزير. ولأنه نجس بالموت وجب بقاء الحكم لبقاء وصفه بالعلة الموجبة له، كما أن الخمرة لما نجست للشدة استحال تحليلها مع بقاء الشدة. ووجه الثانية: قوله ﵇: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وقوله: (دباغها طهورها) وقوله: (ذكاة الأديم دباغه). وقوله: (يحل الدباغ الجلد كما يحل الخل الخمر). ولأنه جلد بهيمة يجوز الانتفاع به حال الحياة، فجاز أن ترتفع النجاسة عنه، أصله المذكى إذا تلوث بالدم.
[١١] (فصل) إذا ثبت أن الدباغ لا يزيل نجاسته وأنه يؤثر فيه، فيجوز استعماله في اليابسات دون المائعات، خلافًا لأحمد بن حنبل. لقوله ﷺ: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)، وقوله: (ما على أهل هذه الشاة لو أخذوا جلدها فدبغوه فانتفعوا به؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها)،
1 / 111
وقالت عائشة ﵂: (أمر رسول الله ﷺ أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت).
[١٢] (فصل) والدباغ يؤثر في جلد الكلب على سبيل ما يؤثر في غيره، خلافًا للشافعي للظواهر الواردة بإباحة الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، وهي عامة غير خاصة، ولأن الذكاة تعمل فيه على وجه، فجاز أن يطهر جلده بالدباغ كالسباع، ولأنه حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة كالفهد.
[١٣] (فصل) لا يؤثر الدباغ في جلد الخنزير بحال، خلافًا لأبي يوسف وداود. للظواهر الواردة بالمنع، ولأنه جزء من الخنزير كانت فيه حياة فأشبه اللحم، ولأن الدباغ يخالف الذكاة وينوب عنها، فلم يجز أن يكون أقوى منها، فلما كانت الذكاة لا تعمل في الخنزير كان الدباغ أولى.
[١٤] (فصل) لا فرق بين ما أكل لحمه وما لم يؤكل، خلافًا لأبي ثور، لقوله ﵇: (أيما إهاب دبغ فقد طهر). ولأنه جلد بهيمة يجوز الانتفاع بها فجاز أن يؤثر فيه الدباغ، أصله ما يؤكل لحمه. وهذا الفرع لا يتخرج على قولنا على التحقيق إلا في الكراهة دون التحريم لأن السباع وما أشبهها يكره أكل لحومها من غير تحريم.
[١٥] (فصل) لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ، خلافًا للزهري. للظواهر في المنع، ولقوله ﵇: (هلا أخذتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به) فشرط في إباحة الانتفاع به أن يدبغ، ولأنه جزء
1 / 112
منها كان حيًا فوجب أن ينجس بالموت أصله اللحم.
[١٦] (فصل) جلود الميتة التي يؤثر الدباغ فيها لا يجوز بيعها قبل الدباغ، خلافًا لمن أجازه لقوله ﵇: (إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه)، ولأنه جزء من الميتة نجاسته بالموت باقية، فلم يجز بيعه كاللحم، وأكثر هذه التفريعات على الرواية المخرجة في طهارة جلد الميتة بالدباغ.
[١٧] (فصل) شعر الميتة وصوفها طاهر خلافًا للشافعي لقوله تعالى: ﴿ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاث ومتاعا إلى حين﴾، فذكر ذلك على وجه الامتنان، ولم يخص حال الحياة من حال الموت. وقوله ﵇: (لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ وبصوفها وشعرها إذا غسل) ولأن ما ينجس بموت الحيوان من أجزائه ينجس إذا بان منه حال حياته، كالجلد واللحم، ثم وجدنا الشعر إذا أخذ من الشاة حال الحياة لم يكن نجسا فعلم أنه ليس مما ينجس بالموت، ولأن الشعر ليس فيه الروح بدليل عدم الإدراك به وأن الحي لا يتألم بقطعه، وإذا لم يكن فيه روح لم ينجس بالموت.
[١٨] (فصل) عظم الميتة وقرنها نجس، خلافًا لأبي حنيفة، لقوله تعالى: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾، وقوله تعالى: ﴿قال من يحي العظام
1 / 113
وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ فدل أن في العظم روحًا، لأن إعادة الحياة لا تكون إلا فيما كان حيا ثم مات، ولقوله: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء) ولأنه جزء منها إذا انفصل حال حياتها كان نجسا فأشبه اللحم.
[استعمال أواني الذهب والفضة]
[١٩] مسألة: لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة، لا في وضوء، ولا في أكل، ولا في شرب، ولا غير ذلك. خلافًا لداود حين منعها في الشرب، فأباحها في غيره لنهيه ﵇ عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة وقوله: (إن الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم) وهذا تنبيه على منع الأكل وغيره ولأن المنع من ذلك لأجل الخيلاء والسرف بأنه من أخلاق فارس والروم، وزي ملوكهم، وهذا يستوي فيه الأكل والشرب.
[٢٠] (فصل) واتخاذها غير جائز، خلافًا لأحد قولي الشافعي، لأن اتخاذها إنما يراد للاستعمال، وإذا حرم الاستعمال حرم الاتخاذ، ولأنه
1 / 114
المقصود بالفعل اعتبارا بالخمر أنها لما حرم شربها حرم اتخاذها.
[استعمال أواني وثياب أهل الكتاب]
[٢١] مسألة: يكره استعمال أواني أهل الكتاب ولبس ثيابهم التي لبسوها من غير تحريم خلافًا لمن حكي عنه تحريم ذلك، لقوله تعالى: ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم﴾ فأطلق، ولأنه ﵇ توضأ من مزادة مشركة وقيل نصرانية، ولأن أصل الطهارة محمول على أصله وظاهره.
[الوضوء]
[٢٢] مسألة: السواك مستحب، خلافًا لمن حكي عنه وجوبه، لقوله: (كتب عليّ السواك ولم يكتب عليكم) ولأن المقصود منه النظافة وإزالة الرائحة عن الفم، فكان ندبا كغسل الغمر من الفم.
1 / 115
[٢٣] مسألة: النية شرط في طهارة الأحداث كلها، خلافًا لأبي حنيفة حين قال: ليست بشرط في وضوء ولا في غسل، ولزفر في قوله: ليست بواجبة في التيمم أيضا، لقوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا﴾ مفهومه للصلاة ولقوله: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ولأنها طهارة من حدث كالتيمم، ولأنها عبادة منفردة بها كالصلاة والصوم.
[٢٤] مسألة: التسمية على الوضوء غير واجبة، خلافًا لأحمد بن حنبل لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا﴾ ولم يذكرها. وقوله: (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه) ولم يذكر التسمية، ولأنها عبادة، وليس في آخرها نطق واجب، فلم يجب في أولها كالصوم عكسه الصلاة، ولأنها قول باللسان، فلم تلزم في الوضوء كالتسبيح.
[٢٥] مسألة: غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مستحب غير واجب. خلافًا لأحمد بن حنبل، وداود، للظاهر، والخبر، ولأنه غسل يفعله المكلف
1 / 116
في نفسه لا من حدث ولا نجس، فلم يكن واجبًا كسائر الأغسال المستحبة.
[٢٦] (فصل) المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء، خلافًا لأحمد، ولداود للظاهر، والخبر، ولأنها طهارة من حدث كالتيمم ولأنها باطن في أصل خلقة الوجه كداخل العينين.
[٢٧] (فصل) وهما سنتان في الغسل خلافًا، لأبي حنيفة. لقوله ﵇ لأم سلمة: (إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات وتفيضي الماء عليك فإذا أنت قد طهرت) ولأنها طهارة من حدث كالتيمم، ولأن كل موضع من الوجه لم يلزم إيصال الماء إليه في الوضوء لم يلزم في الغسل كداخل العينين.
[٢٨] (فصل) الأفضل إفراد كل واحد منهما بغرفة خلافًا للشافعي في أحد قوليه: إن الأفضل الجمع بينهما في غرفة لأنهما عضوان مغسولان كاليدين والرجلين.
[٢٩] مسألة: إمرار الماء على المسترسل من شعر اللحية واجب على الظاهر من المذهب، لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾. فالاسم للعضو
1 / 117
وما اتصل به من الخلقة، ولأنها شعر نابت على عضو يلزم تطهيره، فأشبه ما لم يسترسل.
[٣٠] (فصل) ولا يلزم إيصال الماء للبشرة فيما تحت اللحية في الوضوء، خلافًا لأبي ثور، لأنه ببطونه خرج عن المواجهة فلم يلزم غسله، ولأنه شعر يستر ما تحته في العادة فوجب أن ينتقل الفرض إليه، أصله شعر الرأس.
[٣١] (فصل) وفي لزومه في الجنابة روايتان: فوجه نفيه ما ذكرناه من أنه في حيز الباطن فلم يجب كطهارة الحدث، ووجه الوجوب أنه ليس بباطن في أصل الخلقة وإنما هو باطن بحائل، فلم يكن كالباطن الأصلي وإيصال الماء إلى بشرة الرأس في الجنابة يتخرج على هذا الخلاف.
[٣٢] (فصل) وما خلف العذار إلى الأذن ليس من الوجه، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، لأن المواجهة لا تقع به في الغالب، ولأنه من غضاريف الأذنين وتوابعها ولأنه لا يلزم المرأة فدية إذا غطته في الإحرام.
[٣٣] (فصل) إذا كان شعر العارضين من الخفة بحيث لا يستر البشرة لزم إيصال الماء إلى البشرة، خلافًا لأبي حنيفة، أو بعض أصحابه لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾ وما لم يستره الشعر داخل في الاسم، ويروى أنه ﵇ (كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك).ولأنها
1 / 118
بشرة ظاهرة من الوجه كالتي لا شعر لها.
[٣٤] مسألة: وإدخال المرفقين في غسل اليدين واجب، خلافًا لزفر وغيره لأنه ﵇ (كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه)، ولأنه حد لعضو مغسول كالعينين.
[٣٥] مسألة: تكرار مسح الرأس بماء جديد غير مسنون، خلافًا للشافعي، لما روي عنه ﵇ (توضأ فغسل أعضاءه كلها ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة)، ولأنه مسح في طهارة الحدث كالخفين في التيمم، ولأن موضوع المسح التخفيف، فلا يجوز أن يكون من سنته ما ينافي موضوعه، والتكرار تغليظ فلم يكن من سنته.
[٣٦] مسألة: والفرض من الرأس ايعابه، خلافًا لأبي حنيفة، والشافعي لقوله تعالى: ﴿وامسحوا برءوسكم﴾ والحكم إذا علق باسم وجب استيفاء ما يناوله كقوله: كل رغيفا وأعط درهما، ولأن الصيغة عموم بدليل حسن تقدير الاستثناء فيه، ودخول التخصيص عليه، وتأكيده بألفاظ العموم، ولأنه عضو ورد الظاهر به مطلقا من غير تحديد فأشبه الوجه، ولأنه عضو من أعضاء الوضوء، فلم يتعلق فرضه بأقل ما يقع عليه الاسم، أو بالربع كسائر الأعضاء، ولأنه لو كان له أصل في الوضوء لكان التيمم أولى به، ولأنه عضو
1 / 119
يعتد بمباشرته في المسح، فوجب ايعابه كالوجه في التيمم.
[٣٧] مسألة: ومن مسح برأسه ثم حلق شعره لم يعد، خلافًا لعبد العزيز بن أبي سلمة لقوله تعالى: ﴿وامسحوا برءوسكم﴾، وهذا قد فعل، ولأنه عضو زال عنه حكم الحدث بتطهيره، فزوال ما بوشر بالتطهير منه لا يوجب إعادته كسائر الأعضاء.
[٣٨] مسألة: ولا يجزئ مسح العمامة عن مسح الرأس خلافًا لأحمد وداود. لقوله: ﴿وامسحوا برءوسكم﴾ والعمامة لا تسمى رأسًا وكذلك الخُمُر. ولأنه عضو فرض مسحه لأجل الحدث، فلم يجز مسح الحائل دونه كالوجه في التيمم. ولأنه عضو لا تلحق المشقة في إيصال المال إليه غالبًا كالقدمين.
[٣٩] مسألة: وطهارة الأذنين المسح. خلافًا لمن قال: إنهما من الوجه يغسلان معه. ولمن قال: إن باطنهما يغسل مع الوجه، وظاهرهما يمسح مع الرأس. لأن الصحابة وصفوا وضوء رسول الله ﷺ برواية وحكاية فلم يذكروا إلا المسح دون الغسل.
وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه،
1 / 120
عن جده، أن رسول الله ﷺ سئل: كيف الطهور؟ فذكر إلى أن قال: (ثم يمسح أذنيه ثم قال: هكذا الوضوء من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم). وقوله: (الأذنان من الرأس) وأقل ما يفيده هذا أن طهارتهما كطهارته.
[٤٠] (فصل) واختلف في حكمهما فمن أصحابنا من يقول: إن مسحهما واجب لكونهما من الرأس، ومنهم من يقول: إنه مسنون. فوجه الوجوب قوله: (الأذنان من الرأس) وذلك يفيد كونهما بعضًا منه. وقوله: (فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه) فأضافهما إلى الرأس كإضافة العينين إلى الوجه فوجب أن تفيد إحدى الإضافتين ما تفيده الأخرى، ولأنهما عضوان جعلا في الشرع مخرجا لخطايا عضو، فوجب أن يكون حكمهما حكم العينين. ووجه نفيه أنه من سنتهما تجديد الماء لهما بخلاف سائر أبعاض الرأس. ولأن إطلاق اسم الرأس لا يتناولهما لأن أهل اللغة قد ذكروا أبعاض الرأس ولم يعدوهما منه. ولأنه لا
1 / 121
خلاف أن مسحهما مرتب بعد مسح الرأس، إما من طريق الإيجاب أو الندب، وذلك يفيد أنهما ليستا منه، وإذا ثبت ذلك بطل القول بوجوبه، لأن من يوجبه على أنهما منه. ولأنه أحد نوعي تطهير الوضوء أعني المسح فوجب أن يكون منه عضو مسنون كالغسل.
[٤١] (فصل) وتجديد الماء لهما أفضل. خلافًا لأبي حنيفة. لأنه ﵇ كان يجدد الماء لهما. لأن المغسولات نفلا تنفرد عن المغسولات فرضًا فيجب أن تنفرد الممسوحات نفلًا عن الممسوحات فرضًا.
ولأن المسح نوع من الطهارة، فوجب أن يكون من مسنونه ما ينفرد عن فرضه كالغسل.
[٤٢] مسألة: وفرض الرجلين الغسل. خلافًا لمن ذهب إلى أنه المسح أو التخيير بينهما. لقوله تعالى: ﴿وأرجلكم إلى الكعبين﴾ بالنصب وذلك عطف على الوجه واليدين. ولأنه ﵇ توضأ وقال: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به). وكل من نقل وضوءه نقل أنه غسل رجليه وقوله: (إذا توضأ المؤمن فغسل وجهه، إلى قوله فمسح برأسه، ثم قال: فإذا غسل رجليه) فبين ما يغسل من الأعضاء
1 / 122
مما يمسح، وجعل الرجلين في حيز ما يغسل فدل على أن ذلك فرضهما وفي حديث عمرو بن عبسه قال: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: (ما أحد يعرف وضوءه إلى أن قال: فيغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله). لأنه عضو منصوص على حدِّه كاليدين، ولأن بدليهما المسح على الخف، وحكم البدل يخالف حكم المبدل.
[٤٣] (فصل) واختلف عنه في الكعبين، فروي عنه أنهما اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك عند حد العقب، وروي أنهما النابتان في جنبي الساقين. فوجه الأول أن في كل رجل كعبا واحدا، وذلك لا يكون إلا على هذا الوجه، لأن الكعب المعهود هو الذي يكون عند الشراك وذلك مستفيض بينهم. ووجه الآخر قوله: ﴿إلى الكعبين﴾. فدل على أن في كل رجل كعبين لأنه أوردهما بلفظ التثنية، ولو أراد الجمع لقال إلى الكعاب، كما لما كان في كل يد مرفق واحد قال: ﴿إلى المرافق﴾. ولأن الكعب ما نتأ وظهر لأنه مأخوذ من التكعيب والنتوء وذلك لا يوجد إلا فيما قلناه.
[٤٤] مسألة: وترتيب الوضوء مستحب غير مستحق خلافًا للشافعي. لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق﴾ وواو النسق
1 / 123
للجمع دون الترتيب. ولأنها طهارة شرعية كالغسل. ولأن اليدين عضو من أعضاء الوضوء فصحت الطهارة مع التبدية به كالوجه. ولأنه تقديم وتأخير في الوضوء فلم يمنع صحة الطهارة كتقديم اليسرى على اليمنى. ولأنها عبادة يجوز تفريق النيات على أبعاضهما فلم يكن الترتيب من شرطها، أصله الزكاة عكسه الصلاة.
[٤٥] مسألة: وإذا فرق وضوءه أو غسله تفريقًا متفاحشًا لم يجزه خلافًا لأبي حنيفة والشافعي. لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾؛ لأنه أمر والأمر المطلق على الفور. ولأن الخطاب بصيغة الشرط والجزاء، ومن حق الجزاء أن لا يتأخر عن جملة الشرط، وجملة الأعضاء جزاء للشرط الذي هو القيام إلى الصلاة، فوجب أن لا يتغير شيء منها عنه كقوله: إذا دخلت الدار فلك درهم وروي أن عمر بن الخطاب ﵁ توضأ، وبقي على رجله قطعة لم يصبها الماء فأمره رسول الله ﷺ أن يعيد الوضوء. ولأنها عبادة ينافيها الحدث فكان للتفريق تأثير في إبطالها كالصلاة.
ولأنها عبادة يتقرب بها لفعل الصلاة فجاز أن تبطل بالتفريق كالأذان.
[٤٦] مسألة: ولا بأس بمسح ما يبقى من بلل الوضوء. خلافًا لأصحاب الشافعي. لما روى معاذ أنه (كان رسول الله ﷺ إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه). وروى عروة عن عائشة (أنه صلى الله عليه وعلى آله كانت له خرقة يتنشف بها بعد
1 / 124
الوضوء). ولأنه تنشف عضو من غسل فأشبه سائر الاغتسال.
[الغسل]
[٤٧] مسألة: ولا يجزئ مجرد الاغتماس أو صب الماء على البدن دون إمرار اليد في الوضوء والغسل. خلافًا لأبي حنيفة والشافعي. لقوله تعالى: ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾. وقوله: ﴿حتى تغتسلوا﴾ والغسل في اللغة يظهر صفة زائدة على إيصال الماء إلى المحل وليس ذلك إلا إمرار اليد. ولأنهم يفرقون بينه وبين الاغتماس فيقولون: اغتسل واغتمس، واغتماس واغتسال فدل على اختلاف حكميهما. وروي عن عائشة (أن رسول الله ﷺ أمرها في غسل الجنابة فقال: (أفرغي الماء على رأسك ثم ادلكي جسدك). وعن عمر ﵁ أنه سأل رسول الله ﷺ عن غسل الجنابة فقال: (ثم تدلك بكفيك في كل مرة). وقوله ﵇: (بلغوا الشعر وأنقوا البشرة). والانقاء صفة زائدة على إيصال الماء.
1 / 125