وأما السمعيات فقد منعوا من الاستدلال بها؛ لتجويزهم القبيح على الله تعالى.
وأيضا فما ذكروه من الأدلة محتمل يجب رده إلى المحكم، (فثبت)
بذلك أن الله تعالى لا يريد الظلم ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد) فبطل ما قاله المخالف.
(المسألة السابعة عشرة في الآلام)
واعلم: أن الألم جنس من الأعراض متميز عن غيره راجع إلى النفي، واللذة من جنسه ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بمقارنة الشهوة أوالنفرة، فما قارنته الشهوة فلذة، وما قارنته النفرة فألم،ودليل كونهما جنسا واحدا أن الواحد منا قد يتألم بما يلتذ به ويلتذ بما يتألم به كالحك وغيره.
وحقيقة الألم: المعنى المدرك بمحل الحياة فيه مع النفرة، فقولنا: بمحل الحياة فيه قيد يمتاز به عن سائر المدركات؛ لأن سائرها يدرك بمحل الحياة في غيره، فلهذا كان فصلا.
وأما الغم: فإنه اعتقاد الحي أو ظنه بأن عليه أو على من يحب في فعل الغير فوت نفع أو جلب ضرر في الحال أو في المستقبل.
واعلم: أن الآلام مضرة عاجلة ووجوه حسنها خفية غير ظاهرة، فلذلك ضل كثير من الناس حتى كان ذلك شبهة في إثبات ثان مع الله تعالى وفي جواز كل قبيح على الله تعالى.
وفي التعطيل عند ابن الراوندي حيث رأى أهل الفضل والعلم مبتلين بمقاسات الفقر والأمراض والمصائب، وأهل الجهالة والوضاعة بالعكس حتى أنشد البيتين المعروفين:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة وصير العالم النحرير زنديقا
وكذلك أبو عيسى الوراق فإن ذبح البهائم صار له شبهة حتى صنف كتابا سماه النوح على البهائم، وكان السبب في ذلك نفار الطبع عن هذه الآلام وميله إلى اللذة.
পৃষ্ঠা ৭৫