ومن هنا (اعلم أن أول ما يجب على المكلف) قيل المكلف: هو من أعلم بوجوب بعض المقدورات عليه، وقبح بعضها منه مع مشقة تلحقه في الفعل أو الترك، أو أحدهما، أو في سبب ذلك، أو ما يتصل بذلك مالم يبلغ الحال حد الإلجاء.
فقوله:( أعلم): ليدخل الكفار، فإنهم أعلموا، وإن لم يعلموا أنهم مكلفون، وقوله: (مع مشقة في الفعل) للاحتراز عن أهل الجنة، ومن علم ذلك ممن لا تكليف عليه كالصبيان، وقوله: (أو في سبب ذلك) كالعلم بالله فالمشقة في سببه، وهو النظر، وقوله: (وما يتصل بذلك) نحو حراسة الفعل من نحو الرياء، وإن كان الفعل لا مشقة فيه، وقوله: (مالم يبلغ حد الإلجاء) احتراز عن المحتظر وأهل الآخرة، وهذا على القول بأن الإلجاء يجامع الوجوب، وإلا فلا حاجة إلى القيد عند من قال: بأنه لا يجامعه إذ قد خرج من قوله: (مع مشقة تلحقه في الفعل) فمن جمع هذه الشروط فالواجب عليه (هو النظر) وهو النظر الفكري. وحقيقته: المعنى الذي يولد العلم عند تكامل شروطه، إذ لفظ النظر مشترك بين معان هذا أحدها.
والثاني: نظر العين نحو: نظرت إلى الهلال فلم أره، وقد قيل في تحقيقه: فتح الجفن الصحيح الحدقة إلى حيث تقع الرؤية للمرئي، أو القصد لرؤيته إذا لم ير.
وثالثها: نظر الرحمة، وحقيقته: إرادة حصول منفعة للغير أو دفع مضرة عنه نحو: {ولا ينظر إليهم يوم القيامة}[آل عمران:77].
ورابعها: نظر المقابلة وهو تحاذي المتحيزين نحو: داري تنظر إلى دار فلان.
وخامسها: نظر الانتظار، وحقيقته: التوقع لحصول أمر في المستقبل خيرا كان أو شرا نحو قوله تعالى: {فناظرة بم يرجع المرسلون}[النمل:35] والنظر الفكري المراد هنا نحو: {قل انظروا ماذا في السماوات}..الآية [يونس:101] ومحله القلب.
পৃষ্ঠা ১৩