بسم الله رحمن الرحيم
[وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ] (1)
الحمد لله وكفى
وسلام على عباده الدين اصطفى
وبعد فقد وقع الكلام الآن في ثلاثة مسائل متعلقة بالاجتهاد
أحدها : هل الاجتهاد موجود الآن, أو لا ؟
والثانية : هل المجتهد المطلق هو المجتهد المستقل؟ , أو بينهما فرق ؟
والثالثة هل المجتهد له أن يتولى المدارس الموقوفة على الشافعية مثلا, أو لا ؟
وكل من المسائل الثلاث جوابها منقول, ومنصوص للعلماء, بل ومجمع عليه, لا خلاف فيه صادق من عالم, وإنما فيه نزاع ومكابرة من غير العلماء الموثوق بهم ,
وقد كنت ألفت في العام الماضي كتابا سميته : ((الرد على من أخلد إلى الارض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)) (2) , وهو كتاب جليل حافل , فيه نفائس متعلقة بالاجتهاد , وألخص هنا منها ما يتعلق بهذه المسائل الثلاث فنقول:
أما المسألة الأولى
فالجواب عنها من وجهين :
পৃষ্ঠা ১
أحدها : أن العلماء من جميع المذاهب متفقون على أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر , وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به بعضهم , وأنه متى قصر فيه أهل عصر بحيث خلا العصر عن مجتهد أثموا كلهم , وعصوا بأسرهم , وممن أشار إلى ما ذكرناه الامام (الشافعي) رضي الله عنه , ثم صاحبه (المزني) (1) , وصنف أعني (المزني) كتابا في ذلك سماه : [ ((فساد التقليد)) , وممن نص على ما ذكرناه في الفرضية , وتأثيم ] (2) أهل العصر, بأسرهم عند خلو العصر عن مجتهد نصا صريحا :
পৃষ্ঠা ২
1- (الماوردي) (3) في أول كتابه ((الحاوي)) (4) 2- و(الروياني) (1) في أول ((البحر)) (2)
3- والقاضي (حسين) (3) في ((تعليقه)) (4)
পৃষ্ঠা ৩
4- و(الزبيري) (5) في كتاب ((المسكت)) (6) 5- و(ابن سراقة) (1) في كتاب (([ الأعداد ])) (2)
পৃষ্ঠা ৪
6- و(إمام الحرمين) (3) في [ كتاب ] (4) السير من ((النهاية)) (5) 7- و(الشهرستاني) (1) في ((الملل والنحل)) (2)
8- و(البغوي) (3) في أوائل ((التهذيب)) (4)
9- و(الغزالي) (5) في ((البسيط)) (6) , و((الوسيط)) (7)
10- و(ابن الصلاح) (8) في ((أدب الفتيا)) (9)
পৃষ্ঠা ৫
11- و(النووي) في ((شرح المهذب)) (10) , و((شرح مسلم)) 12- والشيخ (عز الدين بن عبد السلام) (1) في ((مختصر النهاية)) (2)
পৃষ্ঠা ৬
13- و(ابن الرفعة) (3) في ((المطلب)) (4) 14- و(الزركشي) (1) في كتاب ((القواعد)) (2) , و((البحر)) (3)
وذكر (ابن الصلاح)) أن ظاهر كلام الاصحاب أن المجتهد المطلق هو الذي يتأدى به فرض الكفاية, وأما المجتهد المقيد فلا يتأدى به الفرض
পৃষ্ঠা ৭
فهؤلاء أئمة أصحابنا نصوا نصا صريحا على أن الاجتهاد في كل عصر فرض كفاية , وأن أهل العصر إذا قصروا فيه أثموا كلهم وممن نص على ذلك من أئمة المالكية القاضي (عبد الوهاب) (1) في ((المقدمات)) (2) , و(ابن القصار) (3) في كتابه في أصول الفقه (4) , ونقله عن مذهب (مالك) وجمهور العلماء , و(القرافي) (5) في ((التنقيح)) (6) , و(ابن عبد السلام) [ المالكي ] (7) في ((شرح مختصر ابن الحاجب)) (1) , و(أبو محمد بن [ ستاري ]) (2) في ((المسائل المنثورة)) و(ابن عرفة) (3) في كتابه ((المبسوط)) (4) في الفقه
পৃষ্ঠা ৯
وقد سقنا عبارات هؤلاء بحروفها في كتاب ((الرد على من أخلد إلى الارض)) فليراجعه من أراد الوقوف عليه (5) الوجه الثاني : أن جمهور العلماء نصوا على أنه يستحيل عقلا خلو الزمان عن مجتهد , إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى , وأنه متى خلا الزمان عن مجتهد تعطلت الشريعة , وزال التكليف , وسقطت الحجة , وصار الأمر كزمن الفترة , وممن نص على ذلك نصا صريحا الأستاذ (أبو إسحاق الاسفراييني) (1) , و(الزبيري) , و(إمام الحرمين) في ((البرهان)) (2) , و(الغزالي) في ((المنخول)) (3), ونقله (ابن برهان) (4) في ((الوجيز)) (5) , عن طائفة من الاصوليين
ورجحه (ابن دقيق العيد) (6) , و(ابن عبد السلام) من المالكية في شرح ((المختصر)) (7)
পৃষ্ঠা ১০
وجزم به القاضي (عبد الوهاب) في ((الملخص)) (8) وأشار إليه الشيخ (أبو إسحاق [ الشيرازي ]) (1) في ((اللمع)) (2)
পৃষ্ঠা ১১
وهو مذهب الحنابلة بأسرهم , نقله عنهم (ابن الحاجب) (3) في ((مختصره)) (4), و(ابن الساعاتي) (5) من الحنفية في ((البديع)) (6) , و(ابن السبكي) في ((جمع الجوامع)) (7) وقال (ابن عرفة) المالكي في كتابه في الفقه : قد قال (الفخر الرازي) (1) في ((المحصول)) (2) , وتبعه (السراج) (3) في ((تحصيله)) (4) , و(التاج) (5) في ((حاصله)) (6) ما نصه :
ولو بقي من المجتهدين - والعياذ بالله- واحد كان قوله حجة , قال : فاستعاذتهم تدل على بقاء الاجتهاد في عصرهم
পৃষ্ঠা ১২
قال: و(الفخر) توفي سنة ست وستمائة , هذا كلام (ابن عرفة) وقد وجدت ما هو أبلغ من ذلك, فذكر (التبريزي) (1) في ((تنقيح المحصول)) (2) ما نصه : لا يعتبر في المجمعين عدد التواتر , فلو انتهوا والعياذ بالله إلى ثلاثة , كان إجماعهم حجة , ولو لم يبق منهم إلا واحد كان قوله حجة , لأنه كل الأمة , وإن كان ينبو عنه لفظ الاجماع
পৃষ্ঠা ১৩
وقال (الزركشي) في ((البحر)) (3): قال الأستاذ (أبو إسحاق) : يجوز أن لا يبقى في الدهر إلا مجتهد واحد , ولو اتفق ذلك فقوله حجة , كالاجماع , ويجوز أن يقال للواحد أمة , كما قال تعالى: { إن إبراهيم كان أمة قانتا } (النحل: من الاية : 120) ونقله (الصفي الهندي) (1) عن الاكثرين , وبه جزم (ابن سريج) (2) في كتاب ((الودائع) فقال :
وحقيقة الاجماع هو القول بالحق, فإذا حصل القول بالحق من واحد فهو إجماع
وقال (الكيا الهراسي) (3): اختلفوا هل يتصور قلة المجتهدين, بحيث لا يبقى في العصر إلا مجتهد واحد, والصحيح تصوره
وأما المسألة الثانية :
وهي هل المجتهد المطلق مرادف للمجتهد المستقل , أو بينهما فرق ؟
والجواب : أنهما ليسا مترادفين , بل بينهما فرق, وقد نص على ذلك (ابن الصلاح) في ((أدب الفتيا)) , و(النووي) في ((شرح المهذب)) , وذكر هو وغيره أنه من دهر طويل فقد المجتهد المستقل , ولم يبق إلا المجتهدون المنتسبون إلى المذاهب
وقرروا أن المجتهدين أصناف :
مجتهد مطلق مستقل
ومجتهد مطلق منتسب إلى إمام من الأئمة [ الأربعة ] (4)
পৃষ্ঠা ১৪
ومجتهد مقيد وأن الصنف الأول فقد من القرن الرابع , ولم يبق إلا الصنفان الآخران : المطلق المنتسب , والمقيد
وممن نص على ذلك من أصحابنا أيضا (ابن برهان) في ((الوجيز)) , ومن المالكية (ابن المنير) (1) , وقد سقت عباراتهم , وعبارات غيرهم في كتاب ((الرد على من أخلد على الارض)) فلينظر منه (2)
وأما المسألة الثالثة :
وهي : هل للمجتهد أن يلي وظائف الشافعية مثلا ؟
فالجواب :
أن المجتهد المطلق المنتسب والمجتهد المقيد كلاهما يستحقان ولايتها شرعا , بلا خلاف بين المسلمين , لأن هذين الصنفين من جملة الشافعية المنتسبين إلى الإمام (الشافعي) , لم يخرجوا بالاجتهاد عن الانتساب إليه , ولهذا اعتمد على تصانيفهم وفتاويهم , ونسبت إلى مذهب (الشافعي) , وما زالوا يولون تدريس الشافعية قديما وحديثا , كما سنبينه
وأما المجتهد المستقل غير المنتسب فذاك هو الذي لا يولاها إذا كان الوقف ليس مأخذه من بيت المال , ولهذا امتنع (السبكي) من دعوى الاجتهاد المستقل , مع كونه أهلا للاستقلال , واقتصر على دعوى الاجتهاد المطلق المنتسب
পৃষ্ঠা ১৫
ولا أعرف أحدا من أصحابنا ادعى الاجتهاد [ المستقل ] (3) سوى (ابن جرير) (4)خاصة , وأما بقية الاصحاب الدين ادعوا الاجتهاد فاقتصروا على دعوى الاجتهاد المطلق المنتسب, ولهذا عدوا في الاصحاب , وذكرت تراجمهم في طبقات الفقهاء الشافعية وحذف منها (ابن جرير) فلم يترجم فيها له , فكل من ترجمه العلماء في طبقات الشافعية فمن ادعى الاجتهاد فهو مطلق منتسب , لا مستقل , وهو مستحق لأوقاف الشافعية
وقد قال (النووي) في ((الروضة)) (1) , و((الرافعي) (2) في ((الشرح)) (3) : المنتسبون إلى مذهب (الشافعي) , و(أبي حنيفة) , و(مالك) ثلاثة أصناف :
أحدها : العوام
الثاني : البالغون رتبة الاجتهاد , وقد ذكرنا أن المجتهد لا يقلد مجتهدا , وإنما نسب هؤلاء للشافعي لأنهم جروا على طريقته في الاجتهاد , واستعمال الادلة , وترتيب بعضها على بعض , ووافق اجتهادهم اجتهاده , وإذا خالف أحيانا لن يبالوا [ بالمخالفة ](4)
পৃষ্ঠা ১৬
والصنف الثالث : المتوسطون وهم الذين لا يبلغون رتبة الاجتهاد في أصل الشرع, [ لكنهم ] (5) لأنهم وقفوا على أصول الإمام في الأبواب , وتمكنوا من قياس [ ما ] (6) لم يجدوه منصوصا له على ما ينص عليه [ كذا ] (1) كلام (الرافعي) , و(النووي) في ((الروضة))
فانظر كيف قسما أتباع الائمة إلى ثلاثة أصناف , وجعلا من جملتهم من بلغ رتبة الاجتهاد, ولم [ يخرجاه ] (2) ببلوغه الاجتهاد عن انتسابه إلى مذهب (الشافعي)
পৃষ্ঠা ১৭
وقد نص على [ ذلك ] (3) أيضا (إمام الحرمين) , فقال في كتابه الذي ألفه في ترجيح مذهب (الشافعي) (4) ما نصه: فإن قيل : (فابن سريج) , و(المزني) , ومن بعده (كالقفال) (5) , و(الشاسي) (6) , وغير هؤلاء كان لهم منصب الاجتهاد فالجواب : إن هؤلاء كثرث تصرفاتهم في المذهب (الشافعي) , والذب عن طريقته , ونصرته , وشمروا عن ساق الجد في تصويبه , وتقريره , وتصرفوا فيه استنباطا , وتخريجا , وقلت اختياراتهم الخارجة عن مذهبه , وكانوا معترفين بأنهم من متبعي (الشافعي) , ومقتفي آثاره , ومقتبسي أنواره , هذا كلام (إمام الحرمين) (1)
ونص على مثل ذلك أيضا (ابن الصلاح) قال في ((طبقاته)) (2) : في ترجمة (محمد بن نصر) ما نصه :
পৃষ্ঠা ১৮
ربما تذرع [متذرع ] بكثرة اختياراته المخالفة لمذهب (الشافعي) إلى [ الانكار ] (3) على الجماعة العادين له في أصحابنا , وليس الأمر كذلك , لأنه من هذا بمنزلة (ابن خزيمة) , و(المزني) , و(أبي ثور) وغيرهم , ولقد كثرت اختياراتهم المخالفة لمذهب (الشافعي), ثم لم يخرجهم هذا عن أن يكونوا في قبيل أصحاب (الشافعي) معدودين, وبوصف الاعتزاء إليه [ موصوفين ] (4) , هذا كلام (ابن الصلاح) إن نصوص العلماء مطبقة على أن المجتهدين من أتباع الائمة , غير خارجين عن الانتساب إليهم , والعداد في جماعة أصحابهم , والاعتزاء إليهم , فيقال لهم : الشافعية, والمالكية, والحنفية, [ و] (1) يدخلون في الوقف على هذه الطوائف
وقد استقرينا أمر المدارس منذ بنيت فلم [ نجد ] (2) تولاها في قديم الزمان إلا المجتهدون , فكيف يحرمها المجتهدون في آخر الزمان , و[ يقدم ] (3) عليهم المقلدون
পৃষ্ঠা ১৯
بيان ما قلناه : أن أول من بنى المدارس للشافعية فيما نص عليه جماعة [ الوزير ] (4) (نظام الملك) (5) , وأول مدرسة بناها النظامية التي ببغداد , وبناها في سنة سبع وخمسين وأربعمائة , ووقفها على الشافعية وأول من تولى تدريسها بتقرير الواقف (أبو نصر بن الصباغ) (1) صاحب ((الشامل)) (2), وهو موصوف بالاجتهاد المطلق , كما ذكره (ابن السبكي) في ترجمته في ((الطبقات)) (3), ثم بني (نطام الملك)) أيضا مدرسته بنيسابور تسمى : النظامية , وشرطها للشافعية أيضا , وأول من وليها بتقريره (إمام الحرمين) , وهو موصوف بالاجتهاد المطلق , وصفه به بذلك جماعة , حتى قال (ابن السبكي) في ترجمته في ((الطبقات الكبرى)) (4) : إمام الحرمين لا يتقيد (بالاشعري) , بل ولا (بالشافعي) , وإنما يتكلم على حسب [ ما أدى إليه ] (5) نظره , واجتهاده
وقال الحافظ (سراج الدين القزويني) في ((فهرسته)) في وصف (إمام الحرمين): هو المجتهد بن المجتهد
পৃষ্ঠা ২০
وقال غيره في ترجمته : بلغ الاجتهاد , وسارت مصنفاته في البلاد وقال (ابن المنير) في أول ((تفسيره)) (1) : إمام الحرمين له علو همة [ إلى ] (2) مساوقة المجتهدين
وهاتان المدرستان أول المدارس التي وقفت على الشافعية , وأول من وليها من هو موصوف بالاجتهاد
وممن ولي تدريس الشافعية من المجتهدين حجة الاسلام (الغزالي) , فقد ادعى هو الاجتهاد في كتابه ((المنقذ من الضلال)) (3) , وأشار فيه إلى أنه العالم المبعوث على رأس المائة الخامسة , فيجدد لهذه الأمة أمر دينها , كما وعد به الحديث الشريف (4)
পৃষ্ঠা ২১