وقال في الباب ( 184 ) : الكرامة على قسمين ، حسية ومعنوية ، فالعامة ما تعرف الكرامة إلا الحسية ، مثل الكلام على الخاطر ، والإخبار بالمغيبات الماضية ، والكائنة ، والآتية ، والأخذ من الكون ، والمشي على الماء ، واختراق الهواء ، وطي الأرض ، والاحتجاب عن الأبصار ، فالعامة لا تعرف الكرامة إلا مثل هذا ، وأما الكرامة المعنوية فلا يعرفها إلا الخواص من عباد الله ، وهي أن يحفظ عليه آداب الشريعة ، وأن يوفق لإتيان مكارم الأخلاق ، واجتناب سفاسفها ، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها ، والمسارعة في الخيرات ، وإزالة الغل والحقد من صدره للناس ، والحسد ، وسوء الظن ، وطهارة القلب من كل صفة مذمومة ، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس ، ومراعاة أنفاسه في خروجها ودخولها، فيتلقاها بالأدب إذا وردت عليه ، ويخرجها وعليها خلعة الحضور، فهذه كلها عندنا كرامات الأولياء المعنوية، التي لا يدخلها مكر ، ولا استدراج ، بل هي دليل على الوفاء بالعهود ، وصحة العقد ، والرضا بالقضاء في عدم المطلوب ، ووجود المكروه ، ولا يشاركك في هذه الكرامات إلا الملائكة المقربون ، وأهل الله المصطفون الأخيار ، وأما التي ذكرنا أن العامة تعرفها فكلها يمكن أن يدخلها المكر الخفي ، ثم إنا فرضناها كرامة ، فلا بد أن تكون نتيجة عن استقامة ، فإن الحدود الشرعية لا تنصب حبالة للمكر الإلهي ، فإنها عين الطريق الواضحة إلى نيل السعادة ، فإذا ظهر شيء عليه من كرامات العامة ضج إلى الله منها ، وسأل الله أن يستره بالعوائد ، وأن لا يتميز عن العامة بأمر يشار إليه فيه ، ما عدا العلم ؛ لأن العلم هو المطلوب ، وبه تقع المنفعة . انتهى الغرض منه هنا .
পৃষ্ঠা ১৯