عَن نَفسه بِأَنَّهُ اجْتهد فَوَقع رَأْيه على كَذَا مَا يجْرِي على سَائِر الْآحَاد فانه لَيْسَ بمعصوم كالنبي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَيجوز عَلَيْهِ السَّهْو فِي هَذَا الاخبار وَالنِّسْيَان وَيُمكن مِنْهُ صُدُور الْكَذِب فِي هَذَا الاخبار أَيْضا على وَجه الِاحْتِمَال فَلَا يحصل الْقطع بِهَذَا الاخبار للمقلد أصلا وان تَوَاتر عَن ذَلِك الْمُجْتَهد فَإِذا لم يكن يظنّ الْمُقَلّد غَيره فَلَا يُمكن لَهُ الْعَمَل بقول مُجْتَهد أصلا
وَالْعجب أَنهم يعْرفُونَ أَن الْمُجْتَهد يُخطئ ويصيب وَهُوَ من جملَة عقائدهم وَالنَّبِيّ ﷺ مَعْصُوم من الْخَطَأ ثمَّ مَعَ ذَلِك كُله يصرون على كَلَام الْمُجْتَهد كَمَا ترى وَيدعونَ كَلَام النَّبِي ﷺ
ثمَّ نقُول وَلَو سلم أَن ظن الْمُقَلّد لَا عِبْرَة بِهِ أصلا وَلَا يحسن أَو لَا يجوز لَهُ أَو لَا يجب عَلَيْهِ أَن يرجع الى ظَنّه وَيتْرك قَول الْمُجْتَهد فَنَقُول لَا يلْزم فِي الصُّورَة الَّتِي نَحن فِيهَا من ترك قَول صَاحب الْمَذْهَب الى الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْعَمَل بظنه أصلا بل اللَّازِم فِيهَا ترك تَقْلِيد من خَالف قَوْله للْحَدِيث الى تَقْلِيد من وَافق قَوْله الحَدِيث وَلَيْسَ فِي ذَلِك ترك للتقليد وَعمل بِظَنّ نَفسه كَمَا ترى فَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا الا لُزُوم تَقْلِيد من يَظُنّهُ مُوَافقا للحق وَترك تَقْلِيد من يَظُنّهُ مُخَالفا للحق فِي مسالة وَلَا يخفى أَنه يَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك وَاجِبا على الْمُقَلّد لِأَن حَقِيقَة التَّقْلِيد هُوَ حسن الظَّن بالمجتهد وَقبُول قَوْله من غير دَلِيل وَلَا يخفى أَنه اذا حصل للمقلد ظن فِي مَسْأَلَة فَلَا يُمكن أَن يحسن الظَّن فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة بِمن يُخَالف ظَنّه لظُهُور أَن الظَّن لَا يتَعَلَّق بالنقيضين فَحِينَئِذٍ لَا يُمكن مِنْهُ تَقْلِيد الْمُخَالف أصلا فضلا عَن أَن يجوز لَهُ أَو يجب عَلَيْهِ بل معنى التَّقْلِيد لَا يتَحَقَّق مِنْهُ الا بِالنِّسْبَةِ الى الْمُوَافق فَلَيْسَ فِيمَا يَقُول الا أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يُقَلّد من يَظُنّهُ على الْحق وَلَا يجوز لَهُ أَن يُقَلّد من يَظُنّهُ على الْخَطَأ فَكيف يتَصَوَّر من مُسلم أَن يَقُول لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد من يَظُنّهُ على الْهِدَايَة وَالصَّوَاب وَيجوز لَهُ تَقْلِيد من يَظُنّهُ على الضَّلَالَة وَالْخَطَأ فان الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد عِنْدهم ضَلَالَة على مَا قَالُوا فِي تَحْقِيق حَدِيث لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة ثمَّ اذا علمت أَن حَقِيقَة التَّقْلِيد الظَّن فَلَو قُلْنَا أَن ظن الْمُقَلّد لَا عِبْرَة بِهِ يرْتَفع التَّقْلِيد عَن الْعَالم لِأَنَّهُ لَيْسَ الا الظَّن فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز الْعَمَل بالتقليد لِأَنَّهُ من بَاب الْعَمَل بِالظَّنِّ وَهُوَ غير جَائِز فَانْظُر مَا فِي هَذَا
ثمَّ اذا قُلْنَا أَنه لَا يجوز للمقلد أَن يتبع ظَنّه الْحَاصِل لَهُ بِالنّظرِ فِي الْحجَّة الشَّرْعِيَّة وان كَانَ مُوَافقا لكثير من الْمُجْتَهدين بل يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد غَيره كَالَّذي قَلّدهُ قبل النّظر فِي الدَّلِيل وان رَآهُ مُخَالفا لمقْتَضى الدَّلِيل فَيَنْبَغِي أَن لَا يجب على مقلد أهل الْأَهْوَاء الَّذِي حصل لَهُ الظَّن بِخِلَاف مَا عَلَيْهِ امامه أَن يتْرك قَول امامه باخبار الْآحَاد لِأَنَّهَا ظنية فَلَو فَرضنَا أَن امامه الضال قد أخبرهُ بِأَنَّهُ
1 / 68