صَرِيح فِي جَوَاز الْعَمَل لَهُ بِحَدِيث الْآحَاد لظُهُور أَنهم مَا أَرَادوا جَوَاز الْعَمَل بالمتواتر فانه أقل قَلِيل
هَذَا وَلَا يُمكن أَن تَقول أَقْوَال هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مُخَالفَة للأحاديث المتواترة فَإِذا جَازَ الْعَمَل للمقلد عِنْد هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة بِخَبَر الْآحَاد فَمَا معنى قَول من قَالَ لَا عِبْرَة بِظَنّ الْمُقَلّد فِي الْأَحْكَام اللَّهُمَّ الا أَن يحمل ذَاك على الظَّن الْحَاصِل بِالْقِيَاسِ وَنَحْوه ان ثَبت مِنْهُم هَذَا الْكَلَام أَو على أَن ظَنّه لَيْسَ بِحجَّة فِي حق غَيره لَا فِي جَوَاز الْعَمَل إِذْ وُجُوبه فِي حق نَفسه أَو يُقَال ذَلِك إِذا لم يُوَافق فِي ذَلِك الظَّن أحدا من الْمُجْتَهدين وَأما إِذا وَافق أحدا فَلَا فَالْمُرَاد الظَّن الصّرْف وكلامنا فِي الظَّن الَّذِي وفْق بِهِ أحدا من الْمُجْتَهدين كَمَا تقدم وان كَانَ هَذَا الْقَيْد مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ كَلَامهم وَذَلِكَ لما حققناه أَن عدم الْعلم هُوَ بِمَا إِذا كَانَ فهمه مُوَافقا لغهم الْمُجْتَهدين مِمَّا لَا وَجه لَهُ إِذْ قد حققنا أَنه لَا مَانع لَهُ من الْعَمَل فِي هَذِه الصُّورَة بعد ظُهُور الدَّلِيل وَكَيف لَا يجب عَلَيْهِ الْعَمَل فِي هَذِه الصُّورَة بِالْحَدِيثِ مَعَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله﴾ وَقَوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء من بعدِي وَقَوله ليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب من غير قيد بِأَهْل الإجتهاد فَإِذا بلغت السّنة لأحد فَكيف يجوز لَهُ الْإِعْرَاض عَنْهَا هَذَا الْعذر الْبَارِد وَقد قَالَ الله تَعَالَى ﴿فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره﴾ وَالْقُرْآن مَمْلُوء من أَمْثَال ذَلِك
ثمَّ نقُول لَا بُد من حمل قَول من قَالَ لَا عِبْرَة بِظَنّ الْمُقَلّد ان ثَبت على أَنه لَا يجوز لَهُ الْأَخْذ بِمَا هُوَ ظَنِّي الأَصْل مثلا كالقياس أَو على نَحْو هَذَا كَمَا ذكر لَا على أَنه لَا يجوز لَهُ الْأَخْذ بِمَا هُوَ ظَنِّي مُطلقًا وَإِن كَانَ ظَنِّي السَّنَد قَطْعِيّ الأَصْل وَإِلَّا يشكل عَلَيْهِ أَنه حِينَئِذٍ لَا يُمكن لَهُ الْعَمَل بأقوال الْأَئِمَّة لظُهُور أَنَّهَا غير ثَابِتَة عِنْد الْعَوام قطعا بل لَيْسَ الظَّن فِي ثُبُوتهَا كالظن فِي ثُبُوت الْأَحَادِيث فاذ قُلْنَا بِعَدَمِ جَوَاز الْعَمَل بالأحاديث بِسَبَب الظَّن فِي ثُبُوتهَا عِنْد الْمُقَلّد لِأَن ظَنّه لَا عِبْرَة بِهِ فَيجب أَن لَا يكون لظَنّه عِبْرَة فِي الْأَقْوَال المنقولة عَن الْمُجْتَهدين فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز لَهُ الْعَمَل بِتِلْكَ الْأَقْوَال بل يَنْبَغِي أَن يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع الى الْمُجْتَهدين الْأَحْيَاء وهم فرضوا أَن لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُجْتَهد حَيّ فَيَنْبَغِي أَن يسْقط عَن الْعَوام التَّكْلِيف بل عَن الْعَالم التكاليف غالبها لظُهُور أَنهم لَا يَأْخُذُونَ فِيهَا بالأحاديث وَلَا بأقوال الْمُجْتَهدين للُزُوم الْعَمَل بِالظَّنِّ وظنهم لَا عِبْرَة بِهِ وَلَا مُجْتَهد فيهم حَتَّى يتبعهُ غَيره وَهَذَا كَمَا ترى مُصِيبَة عَظِيمَة
قلت على أَنا لَو فَرضنَا عدم إِيجَاد الله تَعَالَى الْمُجْتَهدين سقط التَّكْلِيف عَن الْعَالم الا بِمَا بلغ اليهم قطعا وَدلَالَة على الْمَطْلُوب قطعا وَهُوَ أقل قَلِيل
1 / 66