ذكره الشَّيْخ إِبْرَاهِيم البيدي فِي رِسَالَة لَهُ فِي منع الْإِشَارَة فِي التَّشَهُّد وَأما مَا اشْتهر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث على خلاف قولي فاضربوا قولي بِالْحَائِطِ أَو نَحوه فَذَلِك مَعْلُوم مَذْكُور فِي كتب أَصْحَاب مذْهبه وَقد بنى أَصْحَابه الْمَذْهَب على طبق هَذَا الْكَلَام فَكلما أورد عَلَيْهِم حَدِيث وَرَأَوا قَول الشَّافِعِي مُخَالفا لَهُ أخذُوا بِهِ وَتركُوا قَوْله وَجعلُوا ذَلِك مَذْهَبهم قَالَ بعض أَصْحَاب التَّحْقِيق فِي رِسَالَة لَهُ فِي علم أصُول الحَدِيث فِي تَحْقِيق الحَدِيث الضَّعِيف أَنه يجوز عِنْد الْعلمَاء التساهل فِي رِوَايَة الضَّعِيف دون الْمَوْضُوع بِأَن لم يبين ضعفه فِي المواعظ والقصص وفضائل الْأَعْمَال لَا فِي صِفَات الله تَعَالَى وَأَحْكَام الْحَرَام والحلال قيل كَانَ من مَذْهَب النَّسَائِيّ أَن يخرج عَن كل من لم يجمع على تَركه وَأَبُو دَاوُد كَانَ يَأْخُذ مأخذه وَيخرج الضَّعِيف إِذا لم يجد فِي الْبَاب غَيره ويرجحه على رَأْي الرِّجَال
وَعَن الشّعبِيّ مَا حَدثَك هَؤُلَاءِ عَن النَّبِي ﷺ فَخذ بِهِ وَمَا قَالُوهُ برأيهم فالقه فِي الحش وَقَالَ الرَّأْي بِمَنْزِلَة الْميتَة إِذا اضطررت إِلَيْهَا أكلتها وَعَن الشَّافِعِي مهما قلت من قَول أَو أصلت من أصل فِيهِ عَن رَسُول الله ﷺ خلاف ماقلت فَالْقَوْل مَا قَالَه رَسُول الله ﷺ وَهُوَ قولي وَجعل يردده انْتهى كَلَامه
وَفِي الْبَاب رِوَايَات يطول الْكَلَام بذكرها وَقد جمع بعض أهل التَّحْقِيق فِي رسَالَته فِي بَيَان جَوَاز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ للعامي رِوَايَات أهل المذهبين ثمَّ قَالَ وَالَّذِي يظْهر لي بعد التَّأَمُّل فِي مَأْخَذ الْمَسْأَلَة رِوَايَة ودراية أَن الْعَمَل بِمَا هُوَ دَلِيل شَرْعِي فِي ذَاته إِذا احْتمل عرُوض عَارض مَانع من الْعَمَل بِهِ كالحديث الَّذِي وصل إِلَى الْعَاميّ إِذا احْتمل أَن يكون مَنْسُوخا أَو مُخَالفا للْإِجْمَاع جَائِز إِذا كَانَ الِاحْتِمَال غير نَاشِئ عَن دَلِيل وَأما إِذا كَانَ ناشئا عَن دَلِيل فَمحل توقف وَلَو قيل إِن عدم جَوَاز الْعَمَل حِينَئِذٍ مَا لم يفتش عَن ذَلِك الِاحْتِمَال فَلهُ نوع قرب وَالله تَعَالَى أعلم انْتهى
قلت وَقد عرفت أَن احْتِمَال النّسخ وَغَيره لَا يضر فِيمَا إِذا وَافق الْعَاميّ مُجْتَهدا فِي فهم الحَدِيث وَعلم أَن الْمُجْتَهد أَخذ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوض فِيمَا نَحن فِيهِ كَمَا تقدم تَحْقِيقه وَلَا يُخَالف جَوَاز الْعَمَل أَو وُجُوبه على الْعَاميّ فِي صُورَة مَفْرُوضَة مَا ذكره ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصر الْأُصُول أَنه يجب على الْعَاميّ تَقْلِيد مُجْتَهد لظُهُور أَنه يحصل للعامي فِي الصُّورَة فِي الْعَمَل بِالْحَدِيثِ تَقْلِيد من أَخذ بذلك الحَدِيث أَيْضا على أَنه فِي مَحل التَّأَمُّل عِنْد أَصْحَابنَا بناءا على مَا ذكرنَا أَن كَلَام الله يُفِيد جَوَاز الْأَخْذ بِهِ للعامي من غير اشْتِرَاط فَهَذَا تَحْقِيق الْكَلَام فِي الرِّوَايَة على وَجه الِاخْتِصَار وَأما الدِّرَايَة فالنظر فِي الدَّلِيل يُعْطي الْجَوَاز مُطلقًا فَكيف مَعَ ذَلِك الشَّرْط وَذَلِكَ لما تقرر أَن الصَّحَابَة ﵃ مَا كَانُوا كلهم مجتهدين على اصْطِلَاح الْعلمَاء فَإِن فيهم الْقَرَوِي والبدوي وَمن سمع مِنْهُ ص حَدِيثا وَاحِدًا وَصَحبه مرّة وَلَا شكّ ان من سمع مِنْهُم حَدِيثا عَن رَسُول الله ﷺ أَو عَن وَاحِد من الصَّحَابَة ﵃ كَانَ يعْمل بِهِ حسب فهمه مُجْتَهدا
1 / 63