كلَاما نفيسا فِيمَا نَحن بصدده ذكره فِي حَاشِيَته عل فتح الْقَدِير فلننقله بِطُولِهِ وَإِن كَانَ فِي بعضه تكْرَار مَعَ بعض مَا تقدم قَالَ عِنْد قَول الْمُحَقق ابْن الْهمام لِأَن قَول الْمُفْتِي يُورث الشُّبْهَة المسقطة فَقَوْل رَسُول الله ﷺ وعَلى أفضل الصَّلَوَات وأشرف التسليمات أولى نَصه هَذَا أحسن من كَلَام صَاحب الْهِدَايَة لِأَن قَول الرَّسُول ﵊ لَا ينزل عَن قَول الْمُفْتِي قَالَ ابْن الْعِزّ فِي عبارَة الْهِدَايَة مُسَامَحَة بل خطأ وَالْأَمر أعظم من ذَلِك لَكِن يُفِيد كَلَام الْمُحَقق أَن قَول الرَّسُول ﷺ أولى بإيراث الشُّبْهَة فِي حق الْعَاميّ لَا أَنه أولى بِصِحَّة الْعَمَل بِهِ فِي حق لعامي وَإِلَيْهِ يُشِير قَوْله لِأَن الحكم فِي حق الْعَاميّ فَتْوَى مفتيه إِلَّا أَن يُقيد بِأَن ذَلِك قبل بُلُوغ الْخَبَر كَمَا هُوَ الظَّاهِر من شَأْنه لَكِن هَذَا خلاف مَا يُفِيد كَلَام الْكَافِي والْحميدِي كَمَا سَيَجِيءُ وَخلاف التَّحْقِيق الْحقيق بِالْقبُولِ وَلذَا قَالَ ابْن الْعِزّ فِي تَعْلِيل أبي يُوسُف نظر فَإِن الْمَسْأَلَة إِذا كَانَت مَحل نزاع بَين الْعلمَاء وَقد بلغ الْعَاميّ الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ أحد الْفَرِيقَيْنِ فَأخذ بِهِ فَكيف يُقَال فِي هَذَا أَنه غير مَعْذُور قلت إِذا بلغه أَن الْمَسْأَلَة مَحل النزاع فيكفيه ذَلِك فِي الشُّبْهَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة فَتْوَى الْمُفْتِي فَكيف إِذا بلغه مَعَ ذَلِك الحَدِيث أَيْضا فَمحل الْكَلَام مَا إِذا لم يبلغهُ أَن الْمَسْأَلَة مَحل النزاع وبلغه الحَدِيث فَقَط وَالظَّاهِر أَنه مَعْذُور فِي هَذِه الصُّورَة أَيْضا لِأَن الحَدِيث حجَّة فِي نَفسه ثمَّ قَالَ مَا حَاصله أَن احْتِمَال النّسخ لَا يضر فَإِن من سمع الحَدِيث الصَّحِيح فَعمل بِهِ وَهُوَ مَنْسُوخ فَهُوَ مَعْذُور إِلَى أَن يبلغهُ النَّاسِخ وَلَا يُقَال لمن سمع الحَدِيث الصَّحِيح لَا يعْمل بِهِ حَتَّى يعرضه على رَأْي فلَان أَو فلَان فَإِنَّمَا يُقَال لَهُ انْظُر هَل هُوَ مَنْسُوخ أم لَا أما إِذا كَانَ الحَدِيث قد اخْتلف فِي نسخه كَمَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فالعامل بِهِ فِي غَايَة الْعذر فَإِن تطرق الِاحْتِمَال إِلَى خطأ الْمُفْتِي أقوى من تطرق الِاحْتِمَال إِلَى نسخ مَا سَمعه من الحَدِيث
قَالَ أَبُو عمر بن عبد البر لما ذكر قَول النَّبِي ﷺ لَا تستقبلوا الْقبْلَة بغائط وَلَا بَوْل وَلَا تستدبروا بهما قَالَ أَبُو أَيُّوب فقدمنا الشَّام فَوَجَدنَا مراحيض قد بنيت قبل الْقبْلَة فننحرف عَنْهَا ونستغفر الله ﷿ هَكَذَا يجب على كل من بلغه شَيْء يَسْتَعْمِلهُ على عُمُومه حَتَّى يثبت عِنْده مَا يَخُصُّهُ أَو ينسخه انْتهى
قَالَ الشَّافِعِي ﵀ أجمع الْمُسلمُونَ على أَن من استبان لَهُ سنة من رَسُول الله ﷺ لم يحل لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد وَأَيْضًا فَإِن الْمَنْسُوخ من السّنة فِي غَايَة الْقلَّة حَتَّى عده بعهضم إِحْدَى وَعشْرين حَدِيثا وَإِذا كَانَ الْعَاميّ يسوغ لَهُ الْأَخْذ بقول الْمُفْتى بل يجب عَلَيْهِ مَعَ احْتِمَال خطأ الْمُفْتِي كَيفَ لَا يسوغ لَهُ الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ إِذا فهم مَعْنَاهُ وَإِن احْتمل النّسخ وَلَو كَانَت سنة رَسُول الله ﷺ لَا يسوغ الْعَمَل بهَا بعد صِحَّتهَا حَتَّى يعْمل بهَا فلَان وَفُلَان لَكَانَ قَوْلهم شرطا فِي الْعَمَل بهَا وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَقد أَقَامَ الله تَعَالَى الْحجَّة بِرَسُولِهِ
1 / 58