400

قالوا: مالم يكن نجسا بالاستحالة كالكلب والخنزير فإنه لا يطهر بالاستحالة أيضا، فصار كسائر النجاسات التي لم يحصل فيها استحالة تامة كالدم إذا صار صديدا وقيحا وكالبول إذا تغير عن حاله، بخلاف ما تنازعنا فيه فإنه قد استحال استحالة تامة، فلهذا حكمنا عليه بالنجاسة عند استحالته لما كانت نجاسته لم تكن باستحالة.

قلنا: عن هذا جوابان:

أما أولا: فلأن ما ذكرتموه باطل بالعذرة، فإنها إنما تنجست باستحالة الطعام ابتداء، ثم إنها لا تطهر عندكم بالاستحالة إذا صارت رمادا.

وأما ثانيا: فلأن المعنى في الدم والبول هو أنهما لم يستحيلا استحالة تامة، فلهذا لم يكونا طاهرين بخلاف ما تنازعنا فيه، فإنه قد استحال استحالة تامة في كل أوصافه، حتى صار غير ما كان من قبل في اسمه ولونه وطعمه ورائحته.

قالوا: المستند في تنجيس هذه الأشياء العينية كالكلب والخنزير والميتة والعذرة إنما هو خطاب الشرع وأدلته، وهو لم يفصل بين هذه الأمور بين أن تكون مستحيلة أو غير مستحيلة، فلهذا قضينا بنجاستها في كل أحوالها استحالت أم لم تستحل.

قلنا: هذا فاسد لأوجه ثلاثة:

أما أولا: فلأنا نقول: إنما تناولها الخطاب الشرعي بالتنجيس بشرط بقائها على حالها، واستمرارها على حقائقها وصفاتها الكائنة عليها، نحو الكلبية والخنزيرية وما عداها، وبعد استحالتها بالاحراق، فلا نسلم تناول الخطاب لها بحال وهي على هذه الصفة.

وأما ثانيا: فهذا باطل بالدم، فإن اللبن مستحيل منه بظاهر الآية كقوله تعالى: {من بين فرث ودم}[النحل:66]. فكان يلزم أن يكون نجسا إذا صار لبنا ولا قائل به.

وأما ثالثا: فلأن الاحراق بالنار في الطهارة أبلغ من الدباغ في الجلد، لأن الجلدية مع الدباغ باقية، وقد حكمتم عليه بالطهارة، والعذرة والميتة مع الإحراق ليس حقيقتهما باقية؛ فإذا حكمتم هناك بالطهارة فهاهنا أحق.

পৃষ্ঠা ৪০৭