أما ما قيل عن زنوبية وحصافة فكرها وجلدها وقهرها شهواتها وكبحها نزوات الطبع النسائي في نفسها، فلا أعلم أهو صدق أم كذب. على أن استثناء امرأة واحدة من سائر بنات جنسها، في كل هاته الأجيال والقرون، شذوذ أراه يؤيد القاعدة ولا يفندها.
هذا الضعف الذي يلازم المرأة أبدا قد جعلها قليلة الركون إلى نفسها عظيمة التعويل على غيرها، وصغرها في نظر نفسها، فصارت لا ترى لها قدرا إلا في نظر الناس إليها. وإنها لتتعلق لهذا السبب بمن يعرض عنها ولا يحفل بها لأنها تحسب إعراضه نقصا فيها على كل حال. وكثيرا ما تعالج استمالة ذلك المعرض عنها لتزيل ما علق بخاطرها من ريب في قوة جمالها ونفوذ سلطانها، والويل لمن تعلم أن لها شأنا كبيرا عنده؛ فإن في الإعجاب بها كل غايتها من الرجل. فإذا وثقت من إدراكها عنده لم يبق لها شأن معه. وفرغت منه لتنظر تأثير جمالها في سواه. ولعل هذا الذي يجعل المرأة أحيانا تستصغر نفسها مع الزوج الفاسق وتستصغر الزوج الصالح معها.
ولا رأي لها في الرجال من تلقاء نفسها. وإنما رأيها في الرجل هو رأي الرجل في نفسه. ولهذا كان أكثر الرجال توفيقا عند النساء أشدهم اغترارا وزهوا. حتى لقد وجدت المرأة ترى الجمال فيمن يراه لنفسه، وإن كان الجمال من الأشياء المحسة بالبصر. ولكنها لا تستطيع إلا أن تسلم باعتقاد الرجل الذي تمكن من التغلب عليها باعتداده بذاته وقلة اكتراثه لرأيها فيما قد اعتقد لنفسه من المزايا والصفات.
وإذا شاهدتها تصبو إلى بعض المشاهير وأصحاب الصيت البعيد من العلماء أو الكتاب، فذلك لهذا السبب أيضا. أي لأنه لا رأي لها في الرجال من تلقاء نفسها. فإنها تسمع قول الناس في الرجل فتتخذه رأيا لها. فهي إما تؤمن باعتقاد الرجل في نفسه أو باعتقاد الناس فيه. ولا ترجع إلى نفسها إلا قليلا. وأنا لا أعلم مثالا لهذا القليل.
وقد اشتهرت المرأة بالرياء، وهو من علائم ضعف الثقة بالنفس أيضا. فيتظاهر المرء بما يروق الناس ويوافق آراءهم؛ ارتيابا منه في نفسه، واستصغارا لرأيه وحقيقة شأنه. فما أشد خطل الذين يعتمدون كل الاعتماد على اختيار المرأة في إصلاح الزواج وتحسين نوع الإنسان!
قال شوبنهور: «المرأة تؤدي ما فرض عليها في الحياة. لا بما تنجز من الأعمال بل بما تقاسي من الأوجاع؛ فعليها مكابدة آلام الحمل والوضع والسهر على الطفل وخدمة الرجل الذي ينبغي أن تكون له رفيقا صابرا مؤنسا.»
وقال: «لقد ركب في غريزة النساء ما يجعلهن صالحات لحضانة الإنسان طفلا، ويكن به معلمات صباه ورفيقات أيامه الأولى؛ ذلك لأنهن كالصغار، صبيانيات الأميال، خفيفات الأحلام، قصيرات النظر، وأنهن لا يفتأن لاهيات، فلا تزال المرأة طفلة كبيرة الجسم في كل أدوار حياتها.»
وما ظلمهن شوبنهور؛ فهن - كما قال - لا يخرجن من طور الطفولة أبدا، ولهن في كل دور من أدوار الحياة ألاعيب وفلسفة تناسب ذلك الدور؛ فهن أبدا صغيرات وإن شبت بأجسامهن الأعوام.
في المرأة من أخلاق الطفل غيرته المضحكة ونزقه السريع واستغراقه في الحاضر الذي بين يديه، وقصور نظره على الظواهر والقشور، ومرحه وغرارته ونفوره مما يهم ويصلح، ومحاكاته كل ما يراه، وتعويله في كافة أموره وأمياله على سواه، وتقلبه وكذبه ورياؤه وولعه باستطلاع المضمرات والأسرار، وجشعه وطمعه وموجدته، وافتتانه بالثناء والإطراء.
تلك أخلاق لا أحسب أن رجلا لم يتبين بعضها أو كلها في نفوس عامة بنات حواء.
অজানা পৃষ্ঠা