عوامل الوراثة قوية، فإذا شئنا أن ننزعها حتى يتقبل الحي؛ حيوانا كان أم نباتا، وسطا جديدا ويأخذ بعاداته البيولوجيا الحيوية فإننا نعمد إلى تهجينه، كأن نطعم النبات بفرع من النبات الآخر، هذا الفرع يتغذى من الأم التي تختلف عن أمه الوراثية فتتزعزع كفاءته الوراثية ويعود خضوعه للوسط الجديد أكبر وأعمق مما لو كان سليما خالصا في وراثته.
وعندئذ، وهنا المبدأ الأول، نأخذ هذا الفرع الذي تربى على أم أخرى غير أمه، أو نأخذ البذور التي نشأت عليه فتزرعها؛ نزرع البذور أو الغصون التي نشأت ونمت على الغصن الذي طعمنا به الشجرة ثم نربيه، نربي البذور أو الغصن وذلك بأن ننقله من وسطه الأول أو وطنه الأول الذي عاش فيه قرونا فنزرعه في مكان ينأى عنه بنحو ثلاث مئة كليو متر، وهذا المكان أدفأ أو أبرد أو أرطب أو أجف، وهنا يتعلم النبات حياة جديدة.
ثم نأخذ البذر أو الغصن الناتجين فنزرعهما في بيئة تبعد نحو مئة أو مئتي كيلو متر وهلم جرا.. وبعد مرور بضع سنوات نجد عندنا نباتا جديدا أو ثمرة جديدة لم يكن لها وجود من قبل.
وبهذه الطريقة استطاع ليسنكو الذي ورث هذا الفن عن ميتشورين أن يزرع القمح بالقرب من القطب الشمالي، وكذلك البرسيم والقنبيط والكرنب وعددا كبيرا من البقول والخضر.
واستطاع، وهنا موضع العجب، أن يتقدم بزراعة القطن المصري إلى مسافة 1500 كيلو متر نحو القطب الشمالي. •••
ودلالة هذا البحث الخطير أن الوسط الاجتماعي، الذي يشمل التعليم وتربية الأطفال ونظام الزواج والارتزاق والأخلاق والأمراض والطعام والسكنى؛ كل هذا يؤثر في عادات الفرد ويستنبط منه كفايات أو يقتل فيه كفايات، وقد كنا نحسب، بما زعمه فايسمان، أن كل هذا لن يؤثر في الأعقاب القادمة لأن الخلايا الوراثية مستقلة منعزلة في أجسامنا كما نعيش نحن في مساكننا، أما الآن فإننا مضطرون إلى التسليم بأن ما نكسبه من بيئاتنا يؤثر في أعقابنا؛ فإذا كنا مثلا نعيش في بيئة نتزاحم فيها ونتحاسد ويكافح بعضنا بعضا من أجل العيش فإن ما نحس به من عواطف كريهة في هذا التزاحم والتحاسد سوف ينتقل غرائز ثابتة في سلالتنا القادمة؛ لأن مجهودنا في هذا التزاحم هو الآن وظيفي ولكنه سيستحيل عضويا في سلائلنا القادمة، كما ابتدأ اشرئباب الزرافة إلى الغصون العليا وظيفة فقط ثم استحال عضوا في استطالة العنق، وهذا العنق لا يحتوى غير سبع فقرات، ولكنه استطال باللحم والعصب ... إلخ.
وعلى العكس، إذا كنا نعيش في بيئة تعاونية تطالبنا بالحب والرفق والتعاون وتستنبط منا أجمل الفضائل، فإن ما نمارسه عندئذ كوظيفة يستحيل بعد أجيال إلى غرائز عضوية؛ فيعيش أبناؤنا بعد آلاف السنين وهم يتعاملون بالحب والرفق والتعاون.
والصفات المكتسبة تورث ، ولذلك يجب أن نسأل: ما هي الصفات التي نكتسبها في مجتمعنا الحاضر؟ وهل نحب أن ترثها عنا الأجيال القادمة؟ ... أم نكره ذلك.
وإذا كنا نكره هذا الميراث فيجب أن لا نمارسه.
وقد وجد الاستعماريون من الأوروبيين أن نظرية فايسمان في الإكبار من شأن الوراثة والانتقاص من قدر البيئة مبررا لسيادتهم الإمبراطورية على الشعوب الشرقية؛ لأن هذه النظرية تفرض الكفاءة أو النقص البشري بعوامل وراثية تكاد تكون غيبية لا تفهم.
অজানা পৃষ্ঠা