وروى أن عمر رضي الله عنه كان يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن
صوته بين يدي المهاجرين والأنصار. وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه: صلى بنا أبو موسى صلاة الصبح فما سمعت بصوت ولا بربط أحسن صوتا منه. وتبين من هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل الصوت صفة للقارئ لا لله تعالى، فقد روى عنه في هذا المعنى ما لا يحصى عددا، فمن ذلك: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قام رجل من الليل فرفع صوته بالقرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أذكرني كذا. وكذا آية قال أبو ذر كان لي جار وكان يرفع صوته بالقرآن فشكوته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ذو البجادين فقال: دعه فإنه أواه وكان أسيد بن حضير من أحسن الناس صوتا بالقرآن، فقرأ ليلة وفرسه مربوط عند رأسه، وابنه نائم إلى جنبه، فدار الفرس في رباطه، فقرأ فدار الفرس في رباطه، فانصرف وأخذ ابنه وخشى أن يطأه الفرس، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ أسيد فإن الملائكة لم تزل تسمع صوتك وروى ابن سابط قال: أبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حبسك يا عائشة ؟ قالت يا رسول الله: سمعت رجلا يقرأ ما سمعت من رجل يقرأ قراءة أحسن منها، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع صوته، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع قراءة أبي موسى ذات ليلة فقال: أبو موسى مزمار من مزامير داود ومعلوم أنه شبه حسن صوته بالقراءة بالمزمار، لا كلام الله القديم الذي لا يشبهه شيء من أصوات الخلق ولا نغماتهم. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في ليلة هو وعائشة رضي الله عنها، وأبو موسى يقرأ، فقاما فاستمعا لقراءته، ثم إنهما مضيا، فلما أصبح لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي موسى: يا أبا موسى مررت بك الباحرة ومعي عائشة فاستمعنا لقراءتك فقال أبو موسى يا نبي الله، أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا. قال: لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن وإن كنت لم أر منازلهم حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه، وهو أكبر حجة في نفي الصوت عن كلام الله القديم، لأنه فصل الأصوات من القرآن، فأضاف الأصوات إلى الأشعريين ولم يضفها إلى كلام الله الذي هو القرآن.
وقال شهر بن حوشب: قدم أبو عامر الأشعري على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قومه، فقال صلى الله عليه وسلم : إنه ليدلني على حسن إيمان الأشعريين حسن أصواتهم بالقرآن وفي هذه الأحاديث التي ذكرنا وأمثالها مما لا يحصى عددا: أن الأصوات صفة الصايتين لا صفة كلام رب العالمين، وفي بعض ذلك مقنع وكفاية لمن أراد الله له الهداية.
فصل
فإن قالوا: أليس تقولون إن كلام الله مسموع بحاسة الآذان على الحقيقة ؟ قلنا: بلى. فإن قالوا: فليس يجوز أن يكون مسموعا على الحقيقة إلا ما كان صوتا أو حرفا.
فالجواب: أن هذا جهل عظيم، وذلك أن أهل السنة والجماعة قد أجمعوا على أن الله تعالى يرى بالأبصار على الحقيقة، ولا يجوز أن يرى على الحقيقة إلا ما كان جسما وجوهرا وعرضا. أفتقولون: إن الله تعالى جسم، وجوهر، وعرض ؟ فإن قالوا: نعم.. فقد أقروا بصريح الكفر للتشبيه، وإن قالوا: يرى وليس بجسم، ولا جوهر ولا عرض ولا يشبه شيئا من المرئيات. قلنا: فكذلك كلامه قديم ليس بمخلوق ومسموع على الحقيقة، وليس بحروف ولا أصوات، ولا يشبه بشيء من المسموعات، فكما أنه يرى على الحقيقة ولا تكييف لكلماته. فاتقوا الله وقفوا عند حدوده، ولا تكونوا ممن قال فيهم: " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " . وتمسكوا بقوله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
পৃষ্ঠা ৫২