فزاده ذلك التلطف دالة فقال: «لي والد دخل يلدز من بضع عشرة سنة ولم نعد نعلم ماذا جرى له، فهل هو يا ترى على قيد الحياة؟»
فأظهر عبد الحميد الاهتمام بهذا السؤال وقال: «أبوك في يلدز منذ بضع عشرة سنة؟ ما اسمه؟ وما كان غرضه من المجيء؟»
قال: «اسمه سعيد، وقد جاء للبحث عن أوراق في قصر مالطة.»
فتظاهر عبد الحميد بالبغتة وقال: «سعيد بك أبوك؟ لقد أغروني به وزعموا أنه جاء بدسيسة لينتقم لمدحت باشا لأنه صديقه، وكدت أقتله ثم اكتفيت بسجنه.»
فانحنى رامز انحناء الاستعطاف وقال: «هل يتاح لي أن أراه؟ إن ذلك أكبر نعمة يسديها إلي مولاي، فإذا حصلت عليها تفانيت في خدمة السلطان.»
قال: «طبعا، وهل تخشى أن تطلب مني ما تريده بعد أن صرحت لك بمقاصدي؟ سآمر بإخراج أبيك من السجن في هذه الدقيقة وأخرجكما معا من يلدز في هذه الليلة.» فأكب رامز على طرف ثوب السلطان يقبله، فأمسكه عبد الحميد وقال: «أنا عائد الآن إلى قصري، وسأبعث إليك بأبيك مع حرسي يدخل به عليك من باب هذا القصر كما دخلت أنت، والحرسي يرشدك إلى طريق النجاة.» قال ذلك ونهض، فنهض رامز وهو يقول: «أخشى إذا صرت إلى سلانيك أن يعرف ناظم بك بقدومي فيتعمد القبض علي.»
فقطع السلطان كلامه قائلا: «لا تهتم لهذا الأمر، أنا أدبره.»
فأعاد تشكره وامتنانه، وتحول عبد الحميد نحو ذلك الباب في الحائط ففتحه وخرج منه ثم أوصده وراءه فعاد الحائط كما كان.
وبقي رامز في مجلسه وقد تولته الدهشة، وأخذ يفرك عينيه لئلا يكون في حلم فتحقق أنه في يقظة، فقال في نفسه: «إذا تم ذلك على يدي فما أعظم سروري! ترى هل أرى أبي الآن وأنجو به؟ رب شر ينتج عنه خير، لو لم يش بي عدوي ويلقيني في هذه الورطة لم أوفق إلى لقاء أبي، ولا إلى ما أرجوه من الانقلاب السياسي. لا أصدق أني أصل إلى الجمعية وأقص عليها أخباري.»
ونهض وجعل يخطر في الغرفة وهو ينظر إلى ساعة دقاقة موضوعة على منضدة مذهبة فإذا بها الساعة الثانية بعد نصف الليل، فأخذ يعد الدقائق في انتظار والده الذي صبر على بعده أعواما، لكنه وجد هذه الدقائق أطول منها كثيرا. وأوحشه ذلك السكوت فإذا طنت بعوضة أجفله طنينها.
অজানা পৃষ্ঠা