فابتسم وقال: «لأنك إذا رضيت وقبلت هذه الهدية الحقيرة بذلت نفسي في سبيل سعادتك.» وقدم العلبة إليها فتباعدت هي عنه، وخبأت يدها وراء ظهرها وهي تقول: «أنت لا تقدر أن تجعل أحدا سعيدا.»
فاستبشر بذلك التوبيخ وقال: «جربي يا شيرين وانظري، فإنك ترين مني خادما مطيعا أصدع بأوامرك وأكون طوع إرادتك، فأبذل جهدي في كل ما تريدينه.»
فقالت: «أصحيح ما تقول؟»
فسره سؤالها وتأكد رضاها، فقال بلهفة: «أقسم لك أني أفعل ما تريدينه.»
فقالت: «إن غاية ما أريده أن تكون بعيدا عني، فإذا كنت صادقا فيما تقول فانصرف بسلام.»
فنظر إليها نظر العتاب وقال: «أبمثل هذا الجواب تقابلين توددي؟ ثقي يا شيرين أني مفتون بك، لا أدخر وسعا في سبيل نيل رضاك.»
فقطعت كلامه قائلة: «أكان من عظم حبك لي وشغفك بي أنك رميت ذلك الشهم الحر في أعماق السجن؟»
فتحمس عند سماع كلامها وقال: «أنا رميته في السجن؟! أعوذ بالله! أنا رميته؟! إنما رماه طيشه وسوء تدبيره. ولكني مستعد أن أنقذه من الفخ إكراما لعينيك.»
قالت: «تنقذه من الفخ! ومن رماه فيه سواك؟»
فبالغ في الاستغراب وقال: «أنا؟! أنا رميته؟! ارجعي إلى رشدك»، وأظهر الاستخفاف بقولها ليبعد التهمة عنه. وقرب يده والعلبة فيها وقال: «دعي الأوهام عنك وارجعي إلى رشدك واقبلي هذه الهدية، واعلمي أن ذلك الغلام ليس أهلا لك، بل لقد أوشك أن يوقعك في خطر لا ينجيك منه أحد، أوشك أن يجعلك سجينة مثله لتهمة مثل تهمته. ولولاي، ولولا حبك لكنت الآن سجينة مثله، صدقيني يا شيرين أني خدمتك خدمة لا تقدر بالأموال.» قال ذلك والعلبة لا تزال مرفوعة على كفه يقدمها نحوها وهو ينظر في عينيها نظر العاشق المفتون، فاختطفت العلبة من يده ورمتها إلى الأرض وهي تقول: «دعني من هديتك الملطخة بالدم، وقل لي كيف أنقذتني من الهلاك، إن حبل الكذب قصير.»
অজানা পৃষ্ঠা