الجمع في ذلك أن الله -تعالى- يقول: ﴿فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، فعموم هذا يقتضي القتل في كل مشرك قبل الإسار وبعده، إلاَّ أن يُخَصِّصَه دليلٌ، وكذلك قوله -تعالى-: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧]، وقال -تعالى-: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]، فكان استحياء الأسرى قبل الإثخان محظورًا، كما دلَّ عليه عموم آية السَّيف، وكان في ظاهر الخطاب من هذه الآية ترخيصٌ في اتخاذ الأسرى بعد الإثخان، وقال -تعالى-: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]، ففي هذا إباحته بعد الإثخان تصريحًا، فكان بيانًا لما تقدم، وتخصيصًا لعموم ذلك، وليس قوله -تعالى-: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] على معنى أنه واجب، حتى لا يتصرف في الأسير إلا بذلك، فيكون القتل ممنوعًا فيه، لكن هو على معنى التخصيص؛ لعموم الأمر بإيجاب القتل حيثما ثُقِفُوا، فهو إباحةٌ للاستحياء في حال الأسر من غير منع القتل.
ويدل على أنه إباحةٌ لا وجوب: قوله -تعالى-: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ﴾ [الأنفال: ٦٧] فجعل ذلك له، ولو كان واجبًا لقيل: عَليه، فإن نوزع في شيءٍ من ذلك على مذهب من لا يراه، عُضد هذا التأويل بما ثبت من قتلِ النبي ﷺ عقبة بن أبي مُعيطٍ، والنَّضرِ بن الحارث، من جُملة أسارى بَدرٍ (١)،