এক শূন্য বিন্দুতে থাকা নারী
امرأة عند نقطة الصفر
জনগুলি
وكرهت المرآة، ولم أعد أنظر إليها، وإذا نظرت إليها فأنا لا أنظر إليها، وإنما أمشط شعري أو أمسح وجهي أو أعدل ياقة فستاني، وأحمل حقيبة كتبي وأجري إلى المدرسة، كنت أحب المدرسة؛ فهي مليئة بالأولاد والبنات، نلعب في الفناء ونجري ونلهث، ونقزقز اللب، ونطرقع اللبان، ونشتري «العسلية» والخروب، ونشرب العرقسوس والتمر الهندي وعصير القصب، وكل شيء كان له طعم لذيذ حاد.
وأعود إلى البيت لأكنسه وأمسحه، وأغسل ملابس عمي، وأرتب سريره وكتبه، واشترى لي عمي مكواة حديدية ثقيلة، أسخنها على وابور الجاز وأكوي له قفطانه وعمامته، وقبل غروب الشمس بقليل يعود عمي من الأزهر فأحضر له عشاءه، نأكل معا ثم أرقد على الكنبة الصغيرة، ويجلس عمي في سريره يقرأ بصوت عال، وأقفز إلى جواره في السرير، وأمسك أصابع يده الطويلة الكبيرة، وأنا أمسكها رعشة رهيبة تذكرني برعشة منذ الطفولة، كحلم قديم لا أزال أذكره.
وفي ليالي الشتاء الباردة أتكور كالجنين في حضن عمي يدفئني وأدفئه، وأدفن وجهي في صدره أريد أن أقول له: أحبك، لكني لا أقول، وأريد أن أبكي لكني لا أبكي، وأنام نوما عميقا حتى الصباح.
ومرضت يوما بالحمى، فجلس عمي إلى جواري في السرير يمسك رأسي، ويربت بأصابعه الطويلة الكبيرة على وجهي، ونمت طوال الليل وأنا أمسك يده في يدي.
واشترى لي عمي ساعة يد صغيرة حين حصلت على الشهادة الابتدائية، وأخذني تلك الليلة إلى السينما، ولأول مرة أدخل السينما، ورأيت امرأة ترقص وفخذاها عاريتان، ورأيت رجلا يعانق امرأة ويقبلها في شفتيها، وأخفيت وجهي بيدي، ولم أجرؤ على أن أنظر ناحية عمي، وقال لي عمي: إن الرقص حرام، والتقبيل في الشفتين حرام. لكني لم أعد قادرة على أن أنظر في عينيه، وحين عدت في تلك الليلة إلى البيت لم أجلس إلى جواره في السرير كما كنت أفعل كثيرا، واختفيت تحت اللحاف فوق كنبتي الصغيرة.
كنت أرتجف، وأحس من حيث لا أدري أن أصابع عمي الطويلة الكبيرة ستقترب مني بعد قليل وترفع اللحاف عني بحذر كبير، وأن شفتيه ستلامسان وجهي وشفتي، وأصابعه ستمشي فوق فخذي بطيئة مرتعشة لتصعد إلى فوق.
شيء غريب لم أعرفه من قبل؛ لأنه لم يحدث أبدا، أو لأنه كان يحدث على الدوام، وفي مكان ما في جسدي أشعر أن هناك لذة قديمة مفقودة، أو لذة جديدة لا أعرفها ولا أستطيع أن أحددها، فكأنها في مكان ما خارج جسدي، أو جزء من كياني لم يعد جزءا مني.
وأصبح عمي يخرج كثيرا، أصحو في الصباح فإذا به خرج، وأنام في الليل قبل أن يعود، وحين أناوله كوب ماء أو صحنا فيه طعام يأخذه دون أن ينظر إلي، وحين أخفي رأسي تحت اللحاف لأنام، أرهف السمع لوقع قدميه، وأكتم أنفاسي وأتظاهر بالنوم، وأنتظر أصابعه لتأتي، لكنها لا تأتي، وأسمع صرير سريره حين يرقد فوقه، وأعرف أنه نام حين يصل إلى أذني صوت الشخير المنتظم.
وأصبح عمي رجلا آخر، ولم يعد يقرأ قبل أن ينام، ولم يعد يرتدي الجبة والقفطان، واشترى بدلة و«كرافتة»، وعين موظفا في وزارة الأوقاف، وتزوج ابنة أستاذه في الأزهر.
وأدخلني عمي المدرسة الثانوية، وأخذني معه إلى بيته الجديد لأعيش مع زوجته، كانت زوجته امرأة قصيرة سمينة بيضاء البشرة، حين تمشي يتمايل جسدها البطيء الحركة من جنب إلى جنب، فتكاد تشبه في مشيتها البطة «المزقمة»، وصوتها رقيق، ليس في رقته رقة، وإنما قسوة وغلطة، وعيناها سوداوان واسعتان، في اتساعهما خمول ونعاس أكثر من النشاط واليقظة.
অজানা পৃষ্ঠা