وفي هذه المرة أوذي جماعة من أكابر أصحاب شيخ الإسلام وتلاميذه الأبرار، وحبسوا وأوذوا إيذاءًا عظيمًا، وعزروا وطيف بهم، وتم التشهير بهم، ثم أطلقوا كلهم سوى صفي شيخ الإسلام وتلميذه المقرب الحافظ الجليل ابن قيم الجوزية ﵀ (١).
ولما دخل شيخ الإسلام القلعة محبوسًا مأسورًا، وصار داخل سورها نظر إليه وفال: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣].
وكان يقول في حبسه: لو بذلت ملء هذه القعلة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة.
وقال مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه.
أما كلماته العذبة المؤمنة التي أثمرها الإيمان، وزكاها الامتحان، وتناقلها الناس عبر الأجيال فهي التي يقول فيها: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة (٢)! ! ! .
سادسًا: تلاميذه وأثره:
لا شك أن شخصية نابغة فريدة متعددة الجوانب، ومتفوقة في جميع المواهب ستجذب إليها الكثيرين من التلاميذ والأصحاب والمناصرين، وهكذا كان شيخ الإسلام مصدر إعجاب وتلق وتتلمذ لمجموعة صاروا من العلماء البارزين، وطلاب العلم النابغين، وكان لهم الأستاذ والشيخ والمعلم والمربي والقدوة، ومن هؤلاء (٣):
_________
(١) المصدر السابق (١٤/ ١٢٨).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٤٠٢) وكل هذه الكلمات المؤثرة ذكرها عنه تلميذه الحافظ ابن القيم رحمهما الله جميعًا.
(٣) آثرت ترتيب أسمائهم حسب تاريخ وفياتهم.
1 / 49