بل إن شيخ الإسلام يرسل إلى المتولي على قلعة دمشق ينهاه أشد النهي عن تسليمها للتتار ويقول له: لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت، وكان في ذلك مصلحة عظيمة لأهل الشام (١).
وقبل أن يلفظ القرن السابع الهجري أنفاسه، و"وردت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام، وأنهم عازمون على دخول مصر، فانزعج الناس لذلك، وازدادوا ضعفًا على ضعفهم، وطاشت عقولهم وألبابهم، وشرع الناس في الهرب .. " (٢).
وما كان شيخ الإسلام ليدع دمشق حاضرة الإسلام يفر الناس منها، وعز عليه أن يرى الخور والذل وحب الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله يسيطر على كثير من الناس.
فقام ﵀ وجلس في الجامع، وحرض الناس على القتال، ونهى عن الإسراع في الفرار، ورغب في الجهاد بالفى والحال؛ وأن ما ينفق في أجرة الهرب إذا أنفق في سبيل الله كان خيرًا ونصرًا بإذن الله، وفي هذا المجلس أوجب جهاد التتار حتمًا، وتتابعت دروس الشيخ وخطبه التي كان يوقظ بها جموع الأمة من سكرة الحياة الدنيا، ويسوقهم إلى دار القرار بالجهاد في سبيل الله، ويذكرهم أن الفرار الحقيقي هو في الآخرة من نار تلظى.
وكان من بركة تلك المجالس الإيمانية العامرة صدور مرسوم سلطاني بمنع السفر إلا بورقة وإذن (٣).
وكان ﵀ يدور على الأسوار كل ليلة يحرض الناس على الجهاد والقتال، ويأمرهم بالصبر، ويذكر لهم فضل الشهادة في سبيل الله (٤).
ولئن كان شيخ الإسلام ﵀ يطوف ين الجماهير داعيًا إلى الجهاد،
_________
(١) المصدر نفسه (١٤/ ٩).
(٢) المصدر نفسه (١٤/ ١٥) وكان ذلك في المحرم من سنة (٧٠٠) هـ.
(٣) المصدر السابق (١٤/ ١٦).
(٤) المصدر نفسه (١٤/ ١٢).
1 / 42