وإن عبد في الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا، وسرد وأبلسوا، استغنى وأفلسوا، وإن سُمي المتكلمون فهو فردهم، وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلَّهم وتيَّسهم، وهتك أستارهم، وكشف عوراهم، وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة، وهو أعظم من أن يصف كلمي، أو ينبه على شأوه قلمي .. " (١).
وقد أنشد فيه الشيخ الحافظ كمال الدين ابن الزملكاني قوله:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للخلق ظاهرة ... أنوراها أربت على الفجر (٢)
ولإمام النحاة في عصره الشيخ أبو حيان الأندلسي النحوي، شعر فائق يمتدح فيه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، لما دخل الشيخ مصر واجتمع به، ومنه:
لما رأينا تقي الدين لاح لنا ... داعٍ إلى الله فردًا ما له وزر
على محياه من سيما الأُلَى صحبوا ... خير البرية نور دونه القمر
حبر تسربل منه دهره حِبَرًا ... بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الدين إذ آثاره درست ... وأخمد الشرك إذ طارت له شرر
يا من تحدث عن علم الكتاب أصح ... هذا الإمام الذي قد كان ينتظر (٣)
_________
= قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته". فكيف يقال بعد كل هذا: إن شيخ الإسلام لم يكن على علم بالقراءات؟ ! ! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وما أظن يقول مثل هذا إلا جاهل أو حاقد، والله أعلم.
(١) العقود الدرية (١٩).
(٢) البداية والنهاية (١٤/ ١٤٣)، العقود الدرية (٨)، الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٩٢)، شذرات الذهب (٨/ ١٤٥).
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٩٢)، شذرات الذهب (٨/ ١٤٥)، ولكن ذُكر أن أبا حيان وقعت بينه وبين شيخ الإسلام جفوة، وقيل في ذكر السبب: إن شيخ الإسلام خطَّأ إمام النحاة سيبويه، وأغلظ القول فيه، وقال عنه: إنه لم يكن نبيًا =
1 / 32