وبعد فيقول الغارق في بحر السيئات المحترف باكتساب الخطيئات أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي(1) الأنصاري(1) الحنفي(2) تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي ابن سراج العلماء في عصره سيد الكملاء في دهره مولانا الحاج الحافظ محمد عبد الحليم(3) جعله الله من ورثة جنة النعيم إن الله تعالى قد يسر لعباده سبيل نجاتهم وحل بلسان نبيه مغلقاتهم وفرق طرق اتباعه على متبعيه ولم يحصره في جزئي مشخص فيتعسر السلوك عليه لكل متنفس وجعل اختلاف وزراء نبيه الذين هو القدوة المقدمون وإليهم يرجع السائلون ومنهم يأخذ ما يأخذه الآخذون وبهم يهتدي المقتدون رحمة(4) لجميع الأمة وأجرى (1) من منبع حضرة نبيه أنهارا سائلة وبحارامتطاولة من اغترف من أحدها شرب من منبعها ومن لازم واحدا منها اتصل بمنشأها ولم يزل سلف هذه الأمة على هذه الطريقة فكان الصحابة(1) - رضي الله عنهم - يختلفون في الأمور الشرعية ويقيمون على ما ذهبوا إليه دلائل ظنية أو نصوصا صريحة وتلامذتهم كانوا يغترفون من أنهارهم ويغوصون في بحارهم من غير أن يعنف طائفة على طائفة أو يتوجه إلى الطعن والتخطية ما لم يظهر دليل قاطع على الخطأ أو النسية وانتقلت هذه السنة المرضية إلى أتباعهم وأتباع أتباعهم من الأئمة المجتهدين والفقهاء والمحدثين إلى أن من الله تعالى على الأئمة الأربعة(2) المشهورين بانتشار مذهبهم وشهرة مسلكهم وتدوين كتبهم واجتماع أصولهم وفروعهم فأكب كل(3) من خلا عن رتبة الاجتهاد والترجيح وهم غالب الأمة على اختيار مسلكهم النجيح فاختار كل جماعة(1) مسلك من لاح له ترجيحه وقام بتأييده وتأصيله وتوجه إلى ترجيح مذهب من اتبعه وتوثيقه فمن ثم لقبوا بألقاب نسبية من الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية وتوجهت كل فرقة منهم إلى تدوين الكتب وجمع المسائل وإقامة الحجج والدلائل وإثبات ما اختاره إمامهم بأحد من الأدلة الأربعة والجواب عما سلك عليه مخالفهم بالأجوبة المرضية ومع ذلك كانوا متفقين على أن الحق ليس بمنحصر في ما اختاره ولا أن الخطأ قطعي بمن خالفه بل كلهم بذلوا وسعهم في التنقيح والتوضيح والتصريح والتلويح والتصحيح والترجيح من غير أن يطعن أحد على أحد طعنا جاوز عن حد، وقد كان كثير منهم يرجحون ما هو رواية شاذة عن إمامهم ويوثقون ما سلك عليه مخالفهم من غير عصبية مذهبية ولعمري هذه هي الطريقة المتوسطة التي أمرنا(2) بإقامتها وبدعاء التوفيق على سلوكها ولم يزل أمر الدين على هذا الأسلوب المتين إلى أن خلف من بعدهم خلف هجروا اتباع أسلافهم وقلدوا أهواء نفوسهم ونالوا حظا من التعصب المذهبي وارتكز في قلوبهم الترفع المشربي وأخذوا يخرجون مسائل متفرقة من الأصول المتقررة ويفرعون الحوادث المتكثرة على القواعد المنقولة فإن وجدوا حديثا صحيحا أو دليلا غيره صريحا مخالفا لما أسسوا بنيانه أخذوا في الجواب عنه بالتأويل أو النسخ أو التضعيف وضعفوا القوي وقووا الضعيف زعما منهم أن ما فرعوه وخرجوه أو نقل عن إمامهم لا يكون مخالفا للدليل الصريح وأن إمامهم ومن سبقهم لم يقولوا به إلا بعد ظهور فساد الدليل المخالف الصريح واستنكفوا اووتحقير من خالفهم والطعن على من نازعهم بل اكتفوا على الجرح والقدح وإثات قوة مسلك موافقهم وضعف قوة مخالفهم علما منهم أن اختلاف العلماء(1) رحمة ومجرد ترجيح مذهب على مذهب ليس فيه نقمة وإن طالعة فتاوى أكثر المتأخرين الذين هم فقهاء كملاء لكنهم ليسوا من المحدثين من أصحاب المذاهب الأربعة وجدتها عل هذه الطريقة لا على الطريقة السابقة ثم خلف من بعدهم خلف أقاموا الطامة الكبرى ونصبوا رايات المنازعة العظمى وأخذوا في حصر الصحة على مذهب إمامهم وإن خالف الأحاديث الصحيحة الصريحة من غير أن يقوم دليل على عدم الاحتجاج بها وحكموا بخطأ مذهب من خالفهم وإن وافق الدلائل القوية قوة الاحتجاج بها وصرحوا(1) بأنا إذا سئلنا عن مذهبنا وأجبنا بأنه صواب يحتمل الخطأ وإذا سألنا عن مذهب مخالفنا أجبنا بأنه خطئ يحتمل الصواب احتمالا ولم يتأملوا في ما حكم به إمامهم وقرر أهل الأصول في مداركهم فأخذوا إذا عرض عليهم الدليل الصحيح الصريح مخالفا لما اختاروه قالوا لا عبرة به لأن أئمتنا وسلفنا لم يوافقوه وإن طالعت كتب أكثر المحدثين وجدتهم لهذا الابتداع محدثين وهم داخلون في أدنى طبقات الفقهاء باعدون بمراحل عن مذهب المحدثين وهذه الطرق المتفرقة المترتبة ليست بمختصة بجماعة دون جماعة بل تعم الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية.
পৃষ্ঠা ৮