255

ইলিয়াড

الإلياذة

জনগুলি

هكذا تكلم الاثنان باكيين، وتوسلا إلى ابنهما العزيز، ولكنهما لم يستطيعا التأثير على قلبه. بل إنه انتظر «أخيل» وهو يقترب في جبروته. وكما ينتظر ثعبان الجبل رجلا عند جحره، وقد اغتذى بالأعشاب الشريرة، وتملكه الغضب العنيف فينظر إليه بشراسة، وقد التف حول نفسه داخل جحره، هكذا أيضا، كان هكتور في شجاعته الجامحة، فلم يتقهقر، وقد أسند ترسه المتألق إلى الجدار البارز. وإذ كان تأثره بالغا، فقد خاطب نفسه المتعالية بقوله: «واها لي! لو أنني دخلت وراء الأبواب والأسوار لكان بولوداماس أول من ينحي علي باللائمة؛ إذ إنه نصحني بأن أقود الطرواديين إلى المدينة إبان هذه الليلة القاتلة - بمجرد أن ينهض أخيل العظيم - فلم أطع قوله، وكانت طاعته أجدى. في الحق. وها أنا ذا - وقد دفعت الجيش إلى الهلاك بحماقتي العمياء - أستحيي من الطرواديين ونسائهم ذوات الثياب الجرارة، خشية أن يقول رجل خسيس: «لقد جلب هكتور الخراب على الجيش، اعتدادا بقوته!» هذا ما سوف يقولونه. أما أنا شخصيا، فالأفضل لي أن ألاقي أخيل وجها لوجه وأقاتله، وبذلك أعود إلى الوطن أو أموت كريما أمام المدينة، ثم، ماذا تكون العاقبة لو أنني تركت ترسي المرصع، وخوذتي الثقيلة، وأسندت رمحي إلى الحائط، ثم ذهبت بنفسي إلى أخيل - وحيد عصره - ووعدته برد هيلينا وجميع الكنوز التي أحضرها ألكساندر إلى طروادة في السفن الجوفاء، والتي كانت سبب الحرب، فنسلمها إلى أبناء أثريوس ليعودوا بها، وفوق ذلك فلنقتسم مع الآخيين مناصفة، ما تحويه المدينة، وآخذ العهد على شيوخ الطرواديين بألا يخفوا شيئا، وأن يقسموا كل شيء - من كنوز المدينة الجميلة - إلى نصفين؟! ولكن، لم يحدثني قلبي بهذا؟ فأبتعدن عنه ولا أذهب إليه، وإلا فإنه لن يرحمني، ولن يحترمني بأية حال، بل إنه سيقتلني وأنا أعزل تماما من السلاح - كما لو كنت امرأة - إذ خلعت عني عدتي الحربية. لن أستطيع الآن أن أتقرب إليه بجانب شجرة بلوط أو صخرة، كما يتقرب الشاب إلى عذراء! ومن الخير أن نسرع بالالتحام في الصراع، حتى نعرف لمن منا سيمنح الأوليمبي المجد!»

أخيل يطارد هكتور!

هكذا كان هكتور يفكر وهو ينتظر. غير أن أخيل - نظير أينواليوس، المحارب ذو الخوذة المتموجة - اقترب منه، ملوحا من فوق كتفه اليمنى برمحه الدرداري البيلي الفظيع والبرونز يبرق حوله كأنه لهب النار المستعرة، أو وهج الشمس عند الشروق. فارتعد هكتور لمرآه، ولم يجرؤ بعد ذلك على البقاء في مكانه، فترك الأبواب وراح يجري مذعورا، ولكن ابن بيليوس انطلق خلفه، معتمدا على سرعة قدميه. وكما ينقض البازي - أسرع الكائنات المجنحة - في الجبال بخفة وراء يمامة مضطربة، فتفر أمامه وهو يجد في مطاردتها بصيحة حادة مقتربا منها، ممنيا قلبه بالقبض عليها، هكذا كان شأن أخيل، إذ انطلق مسرعا وراء هكتور، أسفل سور الطرواديين. وأخذا يعدوان بعد مكان المراقبة، وشجرة التين البرية التي تهزها الرياح. واستمرا في عدوهما بطول طريق العربات، حتى بلغا النبعين المنسابين بهدوء، حيث ينبع الجدولان اللذان يغذيان سكاماندر الكثير الدوامات. وتجري في أحدهما مياه دافئة، يتصاعد منها البخار كأنه دخان من نار مشتعلة، بينما تجري في الآخر - صيفا - مياه باردة كالبرد أو الثلج أو الجليد المتكون من المياه. وبالقرب من هذين الجدولين، أحواض فسيحة للغسيل، جميلة الصنع من الحجر، اعتادت زوجات وبنات الطرواديين الفاتنات أن تغسلن ملابسهن المتألقة فيها، وقت السلام، قبل مجيء أبناء الآخيين.

راح الاثنان يعدوان - أحدهما خلف الآخر - هذا يفر، وذاك يطارده، في المقدمة رجل باسل ينشد الفرار، وفي المؤخرة رجل يفوقه بسالة، يلاحقه بسرعة فائقة، وما كانا يتصارعان من أجل حيوان للذبيحة، ولا من أجل جلد ثور - من النعم التي يفوز بها البشر لقاء سرعة أقدامهم - وإنما كانا يعدوان من أجل حياة هكتور - مستأنس الخيل - كما تجري الجياد القوية الحوافر، في سباق في طريق كثيرة المنعرجات، متطلعة إلى جائزة قيمة - سواء كانت ركيزة أو امرأة - تخليدا لذكرى محارب مات، ثلاث مرات دارا بسرعة حول مدينة بريام، وجميع الآلهة تنظر إليهما. وكان أبو البشر والآلهة هو أول من تكلم وسط هؤلاء فقال: «انظروا الآن. إن عيني تبصران رجلا جد حبيب، مطاردا حول الأسوار، وإن قلبي لحزين على هكتور، الذي أحرق لي العديد من أفخاذ الثيران، فوق ذؤابات أيدا الكثيرة الممرات، وأحيانا فوق ذؤابة القلعة، إن أخيل العظيم يطارده الآن بقدمين سريعتين حول مدينة بريام. فكروا مليا أيها الآلهة، وتشاوروا فيما بينكم: أننقذه من الموت، أم نترك أخيل بن بيليوس يقتله، رغم كونه باسلا شهما؟»

فأجابته الربة أثينا البراقة العينين: «أبتاه، يا سيد البرق اللامع والسحب القاتمة، ما هذا الذي نطقت به؟ أتعتزم أن تخلص رجلا من البشر - كتب له الموت من زمن طويل - من براثن الموت المؤلم؟ افعل ما يحلو لك ولكن ثق بأننا، نحن الآلهة الآخرين جميعا، لا نوافق على هذا!» فرد عليها زوس - جامع السحب - بقوله: «انشرحي صدرا يا بنيتي العزيزة، يا تريتوجينيا، فلست أتكلم بنية صادقة من قلبي، ولكني أريد أن أكون رحيما به. افعلي ما يروقك، ولا تكبحي جماح نفسك بعد ذلك.» وبهذا القول حث أثينا التي كانت لا تزال متحمسة، فهبطت منقضة من فوق ذؤابات أوليمبوس.

راح أخيل السريع يضيق الخناق بشدة على هكتور، في مطاردة لا تكف. وكما يحدث عندما يثير كلب في الجبال ظبيا من مخبئه، ويطارده بين الوهاد والممرات، ثم يمضي مقتفيا أثره - رغم أن الظبي قد ينجو إلى حين، مختفيا تحت دغل - حتى يعثر عليه، هكذا أيضا لم ينج هكتور من ابن بيليوس السريع القدمين. فكلما حاول الوصول إلى الأبواب الدردانية ليحتمي بالأسوار المكينة البناء، رغم أن أصدقاءه كانوا يساعدونه من فوق الأسوار المكينة البناء، بمزازيقهم، كلما سبقه أخيل وأعاده ثانية إلى السهل. فظل يعدو بجوار أسوار المدينة. وكما يحدث في الحلم، إذ يفشل المرء في مطاردة شخص يجري أمامه، فلا يتمكن الأول من الهرب، ولا يفلح الثاني في المطاردة، هكذا أيضا لم ينجح أخيل في اللحاق بهكتور في سرعته، ولا هكتور في الهرب! وكيف كان في وسع هكتور أن ينجو من أقدار الموت؟ لقد اقترب منه أبولو - ليثير شجاعته، ويزيد من سرعة ساقيه - فأشار أخيل العظيم إلى قومه بإيماءة من رأسه، ولكنه لم يرض أن يضربوا هكتور بالرماح الحادة، خشية أن يصيبه أحدهم فيفوز دونه بالمجد، ويصل هو بعد فوات الأوان. فلما بلغا الجدولين للمرة الرابعة، رفع الأب كفتي الميزان الذهبيتين عاليا، ووضع فيهما مصيرين للموت المفجع؛ أحدهما لأخيل والثاني لهكتور مستأنس الجياد، ثم أمسك الميزان من وسطه ورفعه، فهبط يوم موت هكتور ورحل إلى هاديس.

وتركه أبولو، فذهبت الربة أثينا - ذات العينين النجلاوين - إلى ابن بيليوس، واقتربت منه، وخاطبته بكلمات مجنحة قائلة: «أي أخيل العظيم يا حبيب زوس، إن الأمل ليحدوني في أن كلينا سيحمل إلى الآخيين مجدا عظيما - إلى السفن - بعد أن نقتل هكتور، الذي لا يني عن الحرب، فلم يعد في إمكانه الآن أن يفلت منا، بل ولم يعد في وسع أبولو - الذي يضرب من بعيد - إنقاذه مهما كد أو تذلل للأب زوس، حامل الترس. قف الآن، واسترد أنفاسك، ريثما أذهب بنفسي وأحضر لك المحارب لينازلك وجها لوجه!»

هكذا قالت أثينا، فأطاع أخيل، وقد اغتبط في نفسه. ووقف متكئا على رمحه الدرداري ذي السن البرونزية. فتركته، وانطلقت إلى هكتور العظيم، متخذة هيئة دايفوبوس، شكلا وصوتا. ولما اقتربت منه خاطبته بكلمات مجنحة قائلة: «أخي العزيز، إن أخيل السريع ليسيء إليك بغير شك، وهو يطاردك بخطى سريعة حول مدينة بريام، ولكن هيا بنا نقف هنا، وننتظره كي نصد هجومه.» فقال لها هكتور العظيم، ذو الخوذة البراقة: «أي دايفوبوس، لقد كنت - فيما مضى - أعز إخوتي الذين أنجبهم بريام وهيكابي. أما الآن فأعتقد أنني سأمجدك أكثر في قلبي، إذ خاطرت بنفسك من أجلي، وخرجت من وراء السور، بينما ينتظر الآخرون داخله.»

فقالت الربة أثينا، البراقة العينين: «أخي العزيز، إن أبي، وأمي الجليلة، وأصدقائي، توسلوا إلي كثيرا، وسألوني - كل بدوره - أن أبقى هناك، إذ كانوا يرتجفون جميعا من أخيل، ولكن قلبي كان مثقلا في صدري بالغم المرير، والآن هيا ننقض عليه فورا ونقاتله، ولا تدخر الرماح بحال ما، لنعلم ما إذا كان سيقتل كلينا ويحمل غنائمنا الدموية إلى السفن الجوفاء. أم سيهلك هو برماحنا.»

مصرع هكتور!

অজানা পৃষ্ঠা