السفر الأول من كتاب
اختلاف أقوال مالك وأصحابه
تأليف
الفقيه الحافط أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد
بن عبد البر النمري القرطبي
﵁ المتوفى ٤٦٣ هـ
تحقيق وتعليق
حميد محمد لحمر- جامعة فاس/ المملكة المغربية
ميكلوش موراني - جامعة بون / ألمانيا
دار الغرب الإسلامي
1 / 1
٢٠٠٣ دار الغرب الإسلامي
الطبعة الأولى
1 / 2
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
إن المكتبة العربية الإسلامية لتزخر بالأصول العلمية التراثية التي لا زالت بعد لم تنل حظها من العناية والاهتمام، لتعرف طريقها إلى القراء. ومن هذا التراث، مجال أبدع فيه فقهاء المدرسة الأندلسية، وهو مجال الفقه على مذهب السادة المالكية. وقد تركوا فيه مؤلفات في غاية الأهمية، هي محل إعجاب وتقدير.
ومن الأصول العلمية الفقهية التي يسرنا تقديمها للقراء المهتمين بالتراث الفقهي المالكي على الخصوص، كتاب يعود تاريخ تأليفه إلى القرن الخامس الهجري، وهو: كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر القرطبي النمري الأندلسي (ت ٤٦٣ هـ). هذا الكتاب الذي - على أهميته في دائرة تأليفه - لا زال بعد، لم ينل حظه من الدراسة والبحث فيه، حتى الآن.
ولأهمية الكتاب وقيمته العلمية، حرصنا في هذا العمل المشترك المتواضع على تقديمه أولا، وذلك بإنقاذ ما تبقى منه، وتقريبه من الباحث، ليكون رهن إشارته. على أن هناك جوانب فيه، تحتاج إلى إيضاح وتبيان، ودراسة مفصلة قد نقف عندها، بعد العثور على البقية المتبقية من مادة الكتاب، إن شاء الله.
وقد قدمنا لهذا الكتاب، بأربع فقرات بمنتهى الإيجاز، وهي:
١ - نبذة عن حياة صاحب الكتاب.
٢ - توثيق نسبة الكتاب إلى صاحبه: ابن عبد البر.
٣ - قيمة الكتاب العلمية.
٤ - وطف النسخة المعتمدة.
وكل ذلك بعبارة واضحة، مختصرة تفي بالمقصود، ملتمسين العذر من القراء الكرام عن كل تقصير.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 / 5
صاحب الكتاب:
هو الحافظ يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم، أبو عمر النمري القرطبي الأندلسي المالكي.
ولد الحافظ ابن عبد البر يوم الجمعة لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ٣٦٨ بمدينة قرطبة، وتوفي ﵀ يوم الجمعة في آخر يوم من ربيع الثاني سنة ٤٦٣ بمدينة شاطبة، شرق بلاد الأندلس (١).
ويحكي ابن فرحون في الديباج المذهب، أن ابن عبد البر رثى نفسه قبل وفاته بأبيات شعر، قال فيها:
تذكرت من يبكي علي مداوما ... فلم ألف إلا العلم بالدين والخبر
علوم كتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله في صحة الأثر
وعلم الألى قرن فقرن وفهم ما ... له اختلفوا في العلم بالرأي والنظر (٢).
أما عن علو مكانته وقيمته بين أبناء قومه، ومنزلته فيقول في حقه الذهبي في سير أعلام النبلاء:
«قلت: كان إماما دينيا، ثقة، متقنا، علامة، متبحرا، صاحب سنة واتباع، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله (ص)، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا
_________
(١) أنظر: كتاب الصلة، ٢/ ٦٧٩؛ وفيات الأعيان، ٧/ ٧١؛ الديباج المذهب، ٢/ ٣٦٧؛ ترتيب المدارك، ٨/ ١٢٧؛ سير أعلام النبلاء، ١٨/ ١٥٣؛ جذوة المقتبس، ٣٦٧.
(٢) الديباج المذهب، ٢/ ٣٧٠.
1 / 6
ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه» (١). وقال عنه الحميدي في جذوة المقتبس:
«أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف في الفقه، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، كثير الشيوخ، على أنه لم يخرج من الأندلس، ولكنه سمع من أكابر أهل الحديث بقرطبة وغيرها، ومن الغرباء القادمين إليها» (٢). نسبة الكتاب إلى ابن عبد البر:
لا اختلاف في نسبة كتاب: اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر القرطبي؛ فقد أجمعب المصادر التي ترجمت له على نسبة هذا الكتاب إليه، كما ذكره وأحال عليه هو نفسه، في بعض مؤلفاته. يقول القاضي عياض في ترتيب المدارك أثناء حديثه عن مؤئفات ابن عبد البر: «... وكتاب الاختلاف في أقوال مالك وأصحابه، عشرون كتابا ...» (٣).
ويقول ابن عبد البر نفسه في كتابه الاستذكار: «وقد ذكرنا اختلاف قول مالك وأصحابه في هذه المسألة في كتاب جمعناه في اختلافهم» (٤).
قيمة الكتاب العلمية:
تعود قيمة هذا الكتاب، إلى الفن الذي ينتمي إليه، وهو الخلاف الفقهي؛ وقد ذهب أغلب الفقهاء إلى أن المراد بالخلاف الفقهي: تغاير أحكام الفقهاء في مسائل الفروع.
_________
(١) سير أعلام النبلاء، ٦٨/ ١٥٧.
(٢) جذوة المقتبس، ٣٦٧. وأنظر أيضا: الصلة لابن بشكوال، ٢/ ٦٧٧؛ الديباج المذهب، ٢/ ٢٥٧.
(٣) ترتيب المدارك، ٨/ ١٢٩ - ١٣٠.
(٤) الاستذكار، ٣/ ٣٢٩؛ وقال في مكان آخر: «وعلى ما قد ذكرناه في كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه ...». ١٦/ ٥٨ - ٥٩؛ وأنظر أيضا: ١٧/ ٧٧؛ ٢١/ ٧٢؛ ٢٢/ ١٨٦؛ ٢٤/ ١٠٧؛ ٢٥/ ٢٢٣؛ ٣١٠.
1 / 7
وواضح من هذا التعريف، أن الخلاف ليوصف بالفقهي، ينبغي أن يكون واقعا من أهله وهم الفقهاء، أهل النظر والكفاءة العلمية، لا غيرهم. وفي محله، وهو أحكام مسائل الفروع، كأوصاف التصرفات الشرعية العملية من طهارة، وصلاة، وزكاة، وغيرها، لا أحكام مسائل الأصول كالاعتقادات من: إيمان بالله وملائكته ورسله، وما إلى ذلك. ثم إن الخلاف في الفروع أمر مشروع، لا مسوغ لإنكاره ولا موجب للحذر منه إن وقع من أهله وفي محله وشروطه (١).
وعلى العموم، فما كان سبيل العلم به هو الاجتهاد، فالاختلاف فيه ممكن ومقبول؛ ذلك لأنه يقع في الفروع، لا في الأصول. وفي الجزئيات، لا في الكليات. وفي الظنيات، لا في القطعيات. كما أنه ناشئ عن أسباب موضوعية دعت الضرورة إليها، وهي ترجح في جملتها إلى اختلاف المدارك والعقول والأفهام، إضافة إلى احتمالية النصوص الشرعية، في ثبوتها ودلالتها على الأحكام.
ولأهمية الخلاف - أو علم الخلاف الشرعي - قال يحيى بن سلام (ت ٢٠٠ هـ): «لا ينبغي لمن لا يعلم الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعرف الأقاويل أن يقول: هذا أحب إلي» (٢).
والكتاب الذي بين أيدينا، هو كتابة في الموضوع من صميم المتناول، كتاب ينتمي إلى علم الخلاف والتحرر العقلي وإطلاق الفكر للاجتهاد، كما أنه في الفروع الفقهية، لا الكليات. وتزداد قيمته في أنه يبرز الخلاف بين الإمام مالك بن أنس وتلامذته.
_________
(١) أنظر الدراسة المفصلة في هذا الموضوع في مقدمة كتاب تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك لابن دوناس الفندلاوي (ت ٥٤٣ هـ)، بتحقيق الدكتور أحمد البوشيخي. طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. المملكة المغربية، ١٩٩٨.
(٢) الموافقات للشاطبي، ٤/ ١٠٥. مراجعة عبد الله دراز. طبع دار المعرفة، بيروت (بدون تاريخ).
1 / 8
والحافظ ابن عبد البر مسبوق بالتأليف في هذا النوع من الفن؛ فقد ألف أبو عبيد الجبيري (ت ٣٧٨ هـ) كتابا سماه: التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة (١). كما ألف يحيى بن إسحاق بن يحيى الليثي الأندلسي (ت ٣٠٣ هـ) الكتب المبسوطة في اختلاف أصحاب مالك وأقواله (٢)؛ وهذا الأخير يعتبر من الأصول العلمية المفقودة المعتمدة عند ابن عبد البر في مؤلفه هذا (٣). وألف يحيى بن عمر الكناني، وهو من كبار علماء القيروان في القرن الثالث الهجرى، كتابا في اختلاف ابن القاسم وأشهب (٤). بل، امتد هذا الاتجاه فى التأليف إلى أول عهد المتأخرين، فألف الخشني كتاب: الإتفاق والاختلاف في مذهب مالك، وكتاب: رأي مالك الذي خالفه فيه أصحابه (٥).
وإذا كان ابن عبد البر قد فاته شرف السبق قي التأليف في هذا الباب، فإنه حاز شرف المشاركة والاستفادة والانتقاء من السابقين، مع حصره لدائرة الاختلاف الفقهي بين إمام المذهب وتلامذته. ولهذه الأسباب جميعا، وإنقاذا لما تبقى من هذا الكتاب التراثي الأندلسى النفيس، قررنا تحقيق الكتاب وإخراجه إلى النور ليسلك طريقه إلى الباحثين في مجال الخلاف الفقهي - النازل
_________
(١) من هذا الكتاب نسخة مخطوطة في خزانة الجامع الكبير بمكناس؛ قام بتحقيقه الأستاذ حسن حمدوشي بجامعة محمد الخامس لنيل دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية. والكتاب لا زال لم ينشر بعد.
(٢) هدا الكتاب اختصره محمد وعبد الله ابنا أبان بن عيسى، ثم اختصر ذلك الاختصار أبو الوليد بن رشد؛ أنظر الديباج المذهب، ٢/ ٣٥٧. ومن مختصر ابن رشد هذا نصوص كثيرة بهامش نسخة مخطوطة من المدونة لسحنون بن سعيد بخزانة القرويين بفاس، تحمل رقم ٧٩٧، وفي الخزانة العامة بالرباط (الكتاني، ٣٤٣). أنظر: الكتب الفقهية لسحنون بن سعيد؛ نشأتها وروايتها، لميكلوش موراني (باللغة الألمانية) stuttgart ١٩٩٩.
(٣) انظر ص ٨٩؛ الحاشية ١.
(٤) انظر الديباج المذهب، ٢/ ٣٥٥. والكتاب حققه حسن حسني عبد الوهاب وطبع ١٩٧٥.
(٥) انظر شجرة النور الزكية، ٩٤.
1 / 9
والعالي - بصفة خاصة، وإلى المهنمين بهذا التراث العظيم بصفة عامة.
وإن الفضل في التشجيع على إنقاذ ما تبقى من هذا الكتاب، يعود بالأساس إلى الزميل والصديق المحترم: ميكلوش موراني الأستاذ بجامعة بون/ ألمانيا والخبير في شؤون التراث المالكي، الذي اطلع عل الكتاب وأعجب به ثم قام بتصويره من الخزانة العامة بالرباط سنة ١٩٩٨ وزودني بنسخة منه، واقترح علي في نفس الوقت، أن نعمل معا على تحقيقه ونشره في أقرب وقت ممكن. فاستحسنت الاقتراح؛ وقد اجتهدنا خلال هذه الفترة في إخراج الكتاب حتى جاء في صورة قريبة جدا من أصله مع ترميم ما سقط منه. وصف النسخة المعتمدة:
اعتمدنا في تحقيقنا لكتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر على نسخة فريدة ووحيدة، وهي محفوظة بالخزانة العامة بالرباط، المملكة المغربية، تحمل رقم ٣٣٦٩ (المكتبة الكتانية).
وتشتمل نسختنا هذه على كتابين فقط؛ الأول: كتاب الوضوء، وهو تام؛ والثاني: كتاب الصلاة، وهو مبتور الأخير؛ ينتهي عند معالجة مسألة: السهو في الصلاة.
ويبدو من بعض الوجوه أن النسخة الموجودة بين أيدينا كانت تشتمل على كتب أخرى غير ما ذكر؛ من ذلك ما سجل على أول ورقة الكتاب (ق ١ أ) أسفل عنوانه، وفيه:
السفر الأول من اختلاف أقوال مالك وأصحابه، تأليف الفقيه الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري ﵁.
وفيه الوضوء والصلاة والجنائز والصيام والاعتكاف والصيد والذبائح والجهاد والحج والنذور (١).
_________
(١) انظر مصورة المخطوط.
1 / 10
مسطرة المخطوط:
الكتاب يشتمل على ٤٩ ورقة من كتاب الوضوء وكتاب الصلاة. كل ورقة تحتوي على ٩٧ - ٦٩ سطرا، وكل سطر تتراوح عدد كلماته ما بين ٩ - ٦٠ كلمات.
وقد سقطت بعض الكلمات والحروف من السطور الأولى عند كل صفحة تقريبا؛ وما كان في إمكاننا أن نكمله في النص المحقق وضعناه بين قوسين معقوفين []. وما تعذر علينا الوقوف عليه وإثباته. ولم تتبين حقيقته تركنا مكانه فارغا بين قوسين معقوفين. أما عدد النقط الموجودة بين المعقوفين فهي تشير إلى عدد الحروف الساقطة من الأصل حسب تقديرنا [...].
والكتاب عار عن اسم الناسخ وتاريخ نسخه. وراويه. وكتب بخط نسخي جيد مقروء.
وفي خاتمة هذه المقدمة لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر الخالص الجزيل للفاضل المحترم، السيد: الحاج الحبيب اللمسي، صاحب دار الغرب الإسلامي في بيروت، الذي أشرف على طبع هذا الكتاب، وحرص على إخراجه في صورة مشرفة.
وأسأل الله ﷾ أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
حميد محمد لحمر
مدينة فاس المحروسة، في رجب ١٤٢٣ الموافق سبتمبر / أيلول ٢٠٠٢
1 / 11
مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم ٣٣٦٩
1 / 12
الورقة الأولى من مخطوطة كتاب اختلاف أقوال مالك
1 / 13
الورقة الأخيرة من مخطوطة كتاب اختلاف أقوال مالك
1 / 14
السفر الأول من كتاب
اختلاف أقوال مالك وأصحابه
تأليف
الفقيه الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله محمد
ابن عبد البر النمري القرطبي
﵁ المتوفى ٤٦٣ هـ
1 / 15
(ق ١ ب)
بسم الله الرحمن الرحيم
[الحمد] لله [..] فا [..........] وحراما علم وفهم و[صلى الله عـ]ـلى محمد [وعلى] آله وسلم.
هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله ما حضرني ذكره [من اختـ]ـلاف أقوال مالك وأصحابه وأتباع مذاهبهم في مشكلات [... ا] لفقه والأحكام وشبهات الحلال والحرام.
[...] لم أستوعب فيه كتب أصحابنا المالكية، ونيتي أن أعطف (١) على ذلك فأستوعبه إن شاء الله، وعسى الله أن يعين عليه، [فهو] عوني وهو حسبي وعليه توكلي.
_________
(١) كذا في الأصل؛ ولعل صوابه: أعكف على ذلك.
1 / 17
باب في الماء
قال عبد الله بن عبد [الحكم] حاكيا عن مالك ﵀: من توضأ بماء غير طاهر أعاد.
قال (١): لا يتوضأ بماء وقعت فيه ميتة إلا أن يكون كثيرا [لم (٢) يتـ]ـغير منه ريح ولا طعم، فلا بأس بذلك.
قال: وإذا وقـ[ـعت في بئر دجـ]ـاجة فماتت فإنه ينزف منها حتى تصفو ويغسل من الثياب [...] سل به، وتعاد الصلاة منه في الوقت؛ ولا يؤكل طعام عجن به وإن [أخر] جت منه حين ماتت [ولم] يتغير فليشرب (٣) منه، ثم يتوضأ [منه].
وروى عنه ابن الماجشون (٤): الفرق بين ما وقع ميتا في الماء [فـ]ـمات فيه كأنه أشد كراهة لما مات فيه.
_________
(١) انظر النوادر والزيادات، ١/ ٧٤ من المختصر لابن عبد الحكم: ولا يتوضأ بماء وقعت فيه ميتة إلا أن يكون كثيرا جدا لا تغير منه ريحا ولا طعما فلا بأس به.
(٢) خرم بالأصل، والإكمال من النوادر والزيادات.
(٣) فليشرب منه: كذا في الأصل. وفي النوادر والزيادات: فلينزف منه.
(٤) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، يشار إليه في أغلب المصادر عادة بابن الماجشون. أما والده فهو عبد العزيز وغالبا ما يخلط بعض الباحثين بين الأب والإبن. ولعبد العزيز كتب في الفقه، يوجد منها نسختان في المكتبة العتيقة بالقيروان برواية سحنون بن سعيد؛ نشر منها الدكتور موراني قطعة قديمة في فقه أهل المدينة. وعلق عليها (باللغة الألمانية)، ١٩٨٤ Stuttgart.
1 / 18
وروى علي [بن زياد] (١) عن مالك قال: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير [لونه وطعامـ]ـه (٢) وصلى أعاد الصلاة وإن ذهب الوقت. وإن كان (ق ٢ أ) [لم يتغير لونه أو] طعمه أعاد ما دام في الوقت.
وقال عنه ابن [.....] معينة اغتسل فيها جنبه لأنه لا يفسدها.
قال: وقال مالك (٣) في الحياض التي تسقى منها الدواب: لو اغتسل فيها جنب أفسدها إلا أن يكون قد غسل فرجه قبل [....] موضع الأذى منه.
وكره اغتسال الجنب في الماء الدائم، فـ[ـقال]: ولو اغتسل فيه لم ينجسه إذا كان معينا.
وقال أبو مصعب (٤) عن مالك: الماء طهور كله إلا ما تغير ريحه أو طعمه أو لونه من نجس أو غيره وقع فيه، معينا كان أو غير معين (٥).
_________
(١) هو علي بن زياد التونسي، أبو الحسن العبسي، توفي سنة ١٨٣؛ انظر ترجمته في تراجم أغلبية، ص ٢١ - ٢٦؛ ورياض النفوس، ١/ ٢٣٤؛ والديباج المذهب، ٢/ ١٩٢ إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك لابن ناصر الدين، ص ٢٧٠ (تحقيق: سيد كسروي حسن. بيروت ١٩٩٥). روى عن مالك الموطأ وسماعه عنه. وعليه يعتمد سحنون في المدونة في كثير من المسائل. وروى أيضا الجامع الكبير في الفقه والاختلاف لسفيان الثوري وبروايته انتشر هذا الكتاب في الأندلس: فهارس ابن خير، ص ١٣٧.
(٢) المدونة، ١/ ٢٥ في هذه الرواية: [لونه أو طعمـ]ـه.
(٣) المدونة، ١/ ٢٧.
(٤) هو أبو مصعب، أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني، توفي سنة ٢٤٢: انظر ترجمته في ترتيب المدارك، ٣/ ٣٤٧؛ والديباج المذهب، ١/ ١٤٠؛ وسير أعلام النبلاء، ١١/ ٤٣٦؛ والمزي، ٦/ ٢٧٨ وإتحاف السالك لابن ناصر الدين، ص ١٧٣، له رواية الموطأ لمالك بن أنس (بتحقيق بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت ١٩٩٣). كما له المختصر في الفقه، منه نسخة فريدة في مكتبة القرويين (تحت الرقم ٨٧٤ في ٣٤٨ صفحة)، كتب في آخره: «كتبه حسين بن يوسف عبد الإمام الحكم المستنصر وقابله أمير المؤمنين أطال الله بقاءه وأدام خلافته في شعبان من سنة ٣٥٩».
(٥) في النوادر والزيادات ٦/ ٧٦: «قال أبو الفرج: روى أبو مصعب عن مالك ... الخ».
1 / 19
وهو قول ابن القاسم وسالم (١) وابن شهاب (٢) وربيعة (٣) وسائر علماء أهل المدينة، وإليه ذهب مطرف (٤) وابن وهب.
وقال إسماعيل بن إسحاق (٥) في قول الله ﷿: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ (٦)، الذي يجب، والله أعلم، في الماء إذا خالطه شيء فلم يتغير طعمه ولا لونه ولا ريحه؛ إن الماء على أصل حكمه طاهر.
_________
(١) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، توفي بين ١٠٥ - ١٠٦؛ انظر ترجمته في تهذيب التهذيب، ٣/ ٤٣٦؛ وسير أعلم النبلاء، ٤/ ٤٥٨؛ المزي، ١٠/ ١٤٥.
(٢) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله، ابن شهاب الزهري، توفي سنة ١٢٤؛ انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ٩/ ٤٤٥/ ٤٥١، والمزي ٢٦/ ٤١٩، وسير أعلم النبلاء، ٥/ ٣٢٦، وابن عساكر، ٥٥/ ٢٩٤ - ٣٨٧، وحلية الأولياء، ٣/ ٣٦٠.
(٣) هو ربيعة بن أبي عبد الرحمان التيمي المدني، توفي سنة ١٣٦: انظر ترجمته في تهذيب التهذيب، ٣/ ٢٥٨؛ وسير أعلام النبلاء، ٦/ ٨٩؛ والمزي ٩/ ١٢٣. كان ربيعة الرأي من أبرز الفقهاء بالمدينة في عصره، عليه تفقه مالك بن أنس والماجشون وغيرهما.
(٤) هو مطرف بن عبد الله بن مطرف المدني، توفي سنة ٢١٤ تقريبا؛ كان مطرف من أهم رواة مالك، روى عنه الموطأ. وروى عنه عبد الملك بن حبيب الأندلسي كثيرا في كل من الواضحة والسماع. أنظر ترجمته في ترتيب المدارك، ٣/ ١٣٣؛ وتهذيب التهذيب، ١٠/ ١٧٥؛ والمزي، ٢٨/ ٧٠، وإتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك لابن ناصر الدين القيسي ٨٣ - ٨٩. لقد اعتمد محقق هذا الكتاب، وهو سيد كسروي حسن، على نسخة حصل عليها هدية من محمود محمد محمود حسن نصار في يوم عرفة من سنة ١٤١٤ ويقول إن المخطوط كان في رصيد مكتبة الشيخ حمد أحمد أبو بكر: أنظر مقدمة المحقق، ص ٢٣ - ٢٤. وفي هذا الكلام نظر لأن المخطوط الذي قام بتحقيقه الأستاذ الفاضل سيد كسروي حسن في رصيد مكتبة الأزهر بالقاهرة، ضمن مجاميع تحت رقم ١٠٠٣، الإمبابي، رقم ٤٩٠٩١. ولقد جاء وصف هذا المخطوط مفصلا في: دراسات في مصادر الفقه المالكي لميكلوش موراني.
(٥) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الجهضمي القاضي، توفي سنة ٢٨٢؛ انظر ترجمته في ترتيب المدارك، ٤/ ٢٧٦؛ والديباج المذهب، ١/ ٢٨٢؛ وتأريخ بغداد، ٦/ ٢٨٤؛ وسير أعلام النبلاء ١٣/ ٣٣٩. قاضي المالكيين في بغداد.
(٦) سورة الفرقان، الآية: ٤٨.
1 / 20
قال: ومعنى طهور: أي قد طهر [...] خالطه؛ وكذلك كل نجاسة أصابت ثوبا أو بدنا أو موضعا [خا] لطها الماء فأذهب لون النجاسة وطعمها وريحها منه طهرها، ولو ظهرت النجاسة في الماء وعـ[ـلمـ (؟)]ـه كان نجسا.
ومذهب إسماعيل هو مذهب المدنيين كلهم من أصحاب مالك وغيرهم؛ وهو قول بن وهب، ولا أعلم مخالفا من أصحاب مالك المدنيين إلا عبد الملك (١). ذكر ابن سحنون عن أبيه في الماء الذي [وقعت] فيه (ق ٢ ب) الدابة أنه من الماء المشكوك فيه لم يجـ[..........] بما عاب عليه من الطهارات أنه غير مطهر، ومن [......] غير متـ[ـو] ضئ يعيد أبدا كما يفعل بالذي غلبت عليه النجاسة سواء.
الطير التي تأكل الجيف
في المدونة (٢): قال [مالك] في الماء الذي تشرب منه الطير التي تأكل الجيف والأنجال أنه لا يتوضأ به.
قال ابن القاسم: ولو شربت في لبن لم يلق. قال: وكذلك سائر الطعام، وليس مثل الذي يلقى ولا يتوضاء به.
ومن المجموعة (٣): رو [ى عـ]ـلي بن زياد عن مالك في الماء الذي تشرب منه الطير التي تأكل الجيف: إن تيقنت أن في منقارها نجسا فاطرح الماء وإلا فهو طاهر.
قال: وقال سحنون: سبيل هذا الماء سبيل الماء المشكوك فيه، يتيمم ويصلي، ثم يتوضأ به ويصلي.
_________
(١) يعني عبد الملك بن عبد العزيز، هو ابن الماجشون كما سبق ذكره.
(٢) المدونة، ١/ ٥.
(٣) من أهم الأمهات في المذهب، تأليف محمد بن إبراهيم بن عبدوس (توفي ٢٦٠)؛ راجع: دراسات في مصادر الفقه المالكي لموراني، ص ١٤٠ - ١٤٨.
1 / 21
ومن المدونة (١): قال ابن القاسم في السبع التي تأكل الجيف أنه لا يتوضأ بالماء الذي تشرب منه، وهو بمنزلة الـ[ـدجا] ج المخلاة.
ورواية أبي مصعب عن مالك وأهل المدينة خلاف هذا، وهو اختيار إسماعيل.
في سؤر النصراني
في المدونة (٢): قال مالك: لا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بما (٣) أدخل يده فيه.
وذكر ابن عبد الحكم عنه قال: وترك الوضوء بفضل ما شرب منه النصراني أحب إلي، وإن توضأ به فلا شيء عليه.
قال: ولا يتوضأ بفضل الـ[ـجنب] (٤).
وفي المستخرجة (٥) اختلاف في قول مالك في سؤر النصراني (ق ٣ أ) [.........] لم ير به بأسا.
كذلك اختلف قول سحنون (٦) [........] في سؤر النصراني، فمرة قال: التيمم أحب إلي من الوضوء بسؤر النصراني، وهو بمنزلة الدجاج المخلاة التي تأكل الأقذار؛ ومرة قال: إذا أمنت أن يشرب خمرا أو يأكل خنزيرا فلا بأس بالوضوء من سؤره.
_________
(١) المدونة، ١/ ٥.
(٢) المدونة، ١/ ١٤؛ وانظر أيضا: الواضحة، ص ١١٩؛ والنوادر والزيادات ١/ ٧١ عن ابن حبيب.
(٣) بما: كذا في الأصل وفي المدونة؛ وفي بعض الروايات: بماء. وكلاهما يؤديان إلى نفس المعنى.
(٤) النوادر والزيادات، ١/ ٧١ - ٧٢: ولا بأس بفضل الجنب والحائض.
(٥) انظر اختلافهم في هذه المسألة في البيان والتحصيل، ١/ ٣٣؛ ١٣٨؛ ١٧٢ - ١٧٣؛ والنوادر والزيادات، ١/ ٦٩ - ٧٣.
(٦) البيان والتحصيل، ١/ ٣٣؛ ١٧٢ - ١٧٣.
1 / 22
وعند المدنيين: الماء على أصل طهارته حتى تظهر النجاسة فيه؛ وهو الحق عندي إن شاء الله (١).
في سؤر الدواب والسباع والكلاب
قال ابن عبد الحكم (٢) عنه: لا بأس بفضل الدواب كلها أن يتوضأ منه والطير كلها إذا لم يكن بموضع يصيب فيه الأذى.
ولا بأس بفضل الهر إذا لم يكن بخطمه أذى.
ولا يتوضأ بفضل الخنزير، وهذه جملة يختلف عن مالك وأصحابه في شيء منها.
قال ابن عبد الحكم: ولا يتوضأ بفضل الكلب الضاري ولا غير الضاري.
وقد مضى في باب سؤر الطير قول ابن القاسم في سؤر سباع الطير أنه مثل سؤر الدجاج المخلاة لا يتوضأ به.
وروى أبو زيد (٣) عن ابن القاسم أنه قال له في الحياض تكون في الفيافي يشرب منها الكلاب والخنازير، فقال: لا بأس بالوضوء منه إذا كانت الكلاب تشرب منها، وإن كانت الخنازير تشرب منها فلا يتوضأ منها.
وذكر ابن حبيب عن أصحابه أن لا بأس (ق ٣ ب) بالوضوء في حياض البرك التي تردها [............] عمر وحديث ابن زيد.
وفي المدونة (٤) من رواية [ابن وهب وعلـ]ـي بن زياد عن مالك: لا
_________
(١) رواه المؤلف في الاستذكار، ٢/ ١٢٨، رقم ١٦٨٩.
(٢) النوادر والزيادات، ١/ ٧١ من المختصر لابن عبد الحكم: «ولا بأس بالوضوء بفضل جميع الدواب والطير، إلا أن تكون بموضع يصيب فيه الأذى».
(٣) انظر ما جاء في البيان والتحصيل، ١/ ٢١٥ - ٢١٦. وأبو زيد هو عبد الرحمان ابن عمر بن أبي الغمر، توفي سنة ٢٣٤، وهو راوي الأسدية، وألف عليها مختصرا، كما له سماع من ابن القاسم أدخله العتبي في المسخرجة، أنظر: ترتيب المدارك، ٤/ ٢٢.
(٤) المدونة، ١/ ٦ برواية ابن وهب وعلي بن زياد عن مالك. وزيادة علي بن زياد تسبق هذه الفقرة في المدونة، ونصه: «لا أرى عليه إعادة وإن علم في الوقت».
1 / 23