ইহইয়া উলুম আল-দীন
إحياء علوم الدين
প্রকাশক
دار المعرفة
প্রকাশনার স্থান
بيروت
فقال إني أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها نبي الله ﷺ بحافر دابة فانظر إلى سخائه إذ وهب جميع ذلك دفعة واحدة وإلى توقيره لتربة المدينة
ويدل على إرادته بالعلم وجه الله تعالى واستحقار للدنيا ما روي أنه قال دخلت على هارون الرشيد فقال لي يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ قال فقلت أعز الله مولانا الأمير إن هذا العلم منكم خرج فإن أنتم أعزرتموه عز وإن أنتم أذللتموه ذل والعلم يؤتى ولا يأتي فقال صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس
وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلقد كان أيضًا عابدًا زاهدًا بالله تعالى خائفًا منه مريدًا وجه الله تعالى بعلمه فأما كونه عابدًا فيعرف بما روي عن ابن المبارك أنه قال كان أبو حنيفة ﵀ له مروءة وكثرة صلاة
وروى حماد بن أبي سليمان أنه كان يحيي الليل كله
وروي أنه كان يحيي نصف الليل فمر يومًا في طريق فأشار إليه إنسان وهو يمشي فقال لآخر هذا هو الذي يحيي الليل كله فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال أنا أستحي من الله سبحانهأن أوصف بما ليس في من عبادته
وأما زهده فقد روي عن الربيع بن عاصم قال أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة عليه فأراده أن يكون حاكمًا على بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطًا
فانظر كيف هرب من الولاية واحتمل العذاب قال الحكم بن هشام الثقفي حدثت بالشام حديثًا في أبي حنيفة أنه كان من أعظم الناس أمانة وأراده السلطان على أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره فاختار عذابهم له على عذاب الله تعالى
وروي أنه ذكر أبو حنيفة عند ابن المبارك فقال أتذكرون رجلًا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها
وروي عن محمد بن شجاع عن بعض أصحابه أنه قيل لأبي حنيفة قد أمر لك أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور بعشرة آلاف درهم قال فما رضي أبو حنيفة قال فلما كان اليوم الذي توقع أن يؤتى بالمال فيه صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل عليه فلم يكلمه فقال بعض من حضر ما يكلمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة أي هذه عادته فقال ضعوا المال في هذا الجراب في زاوية البيت ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك بمتاع بيته وقال لابنه إذا مت ودفنتموني فخذ هذه البدرة واذهب بها إلى الحسن ابن قحطبة فقل له خذ وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة
قال ابنه ففعلت ذلك فقال الحسن رحمة الله على أبيك فلقد كان شحيحًا على دينه
وروي أنه دعي إلى ولاية القضاء فقال أنا لا أصلح لهذا فقيل له لم فقال إن كنت صادقًا فما أصلح لها وإن كنت كاذبًا فالكاذب لا يصلح للقضاء
وأما علمه بطريق الآخرة وطريق أمور الدين ومعرفته بالله ﷿ فيدل عليه شدة خوفه من الله تعالى وزهده في الدنيا وقد قال ابن جريج قد بلغني عن كوفيكم هذا النعمان بن ثابت أنه شديد الخوف لله تعالى
وقال شريك النخعي كان أبو حنيفة طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس فهذا من أوضح الأمارات على العلم الباطني والاشتغال بمهمات الدين فمن أوتي الصمت والزهد فقد أوتي العلم كله فهذه نبذة من أحوال الأئمة الثلاثة
وأما الإمام أحمد بن حنبل وسفيان الثوري رحمهما الله تعالى فأتباعهما أقل من أتباع هؤلاء وسفيان أقل أتباعًا من أحمد ولكن اشتهارهما بالورع والزهد أظهر وجميع هذا الكتاب مشحون بحكايات أفعالهما وأقوالهما فلا حاجة إلى التفصيل الآن فانظر الآن في غير هؤلاء الأئمة الثلاثة وتأمل أن هذه الأحوال والأقوال والأفعال في الإعراض عن الدنيا والتجرد لله ﷿ هل يثمرها مجرد العلم بفروع الفقه من معرفة السلم والإجارة والظهار والإيلاء واللعان أو يثمرها علم آخر أعلى وأشرف منه وانظر إلى الذين ادعوا الاقتداء بهؤلاء أصدقوا في دعواهم أم لا
1 / 28