ووجه الكلام في الحالة الأولى أن تقول: «زيد رأيته» تذكر الضمير، وربما جاز «زيد رأيت» بحذفه لأنه مفهوم، ولأنه - كما يقول النحاة - فضلة.
ووجه الكلام في الحالة الثانية أن تقول: «زيدا رأيت» ولك أن تقول: «زيدا رأيته» بذكر الضمير زيادة في البيان. وقد قال سيبويه في مثل «زيد رأيته»: «النصب عربي كثير ، والرفع أرجح.» وما بيناه يوافق قوله، ويشرح سببه، ويفصل وجه الدلالة في كل من الإعرابين.
أما المواضع التي يرجح النحاة فيها النصب، فأولها أن يكون الفعل دالا على الطلب، وقد علمت أن الطلب لا يكون خبرا، ووردت الجملة الطلبية قليلا في الخبر، فتأول النحاة معناها إلى الخبر، فالحكم هنا النصب؛ لأن الاسم ليس بمتحدث عنه، وليس بعده من حديث.
وقد اضطرب النحاة أمام الآيات الكريمة:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (المائدة: 38)،
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (النور: 2) وذلك أن الفعل للطلب، والمختار في الاسم قبله النصب على مذهب النحاة، وقد ورد مرفوعا في الآيتين. واتفق القراء السبعة على القراءة بالرفع، فذهب النحاة يتأولون ويختلفون في التأويل والتوجيه من غير أن يبدلوا حكمهم، ثم ذهب ابن السيد وابن بابشاذ إلى اختيار الرفع في مثل الآيتين، وهو ما كان الطلب فيه عاما غير خاص، مع اختيار النصب في الخاص مثل «زيدا اضربه». وهذا الرأي هو الحق عندنا؛ وذلك أن فعل الأمر إذا أريد به معنى عام وقع في معنى التشريع، وكان حكما قياسه الخبر، وكان الاسم المتقدم متحدثا عنه حكمه الرفع كما بينا.
ففي آية:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما
قانون عام هو - والله أعلم: والسارق والسارقة جزاؤهما قطع أيديهما. وإنما صيغ الخبر بصيغة الأمر لنوع من التشديد والحث على التنفيذ، وهو أسلوب عربي صحيح شائع سائغ.
وهذا التأويل واضح من كلام سيبويه في الآية؛ إذ قال: إن المعنى والسارق والسارقة من الفرائض يتلى عليكم حكمهما. وقد رضي النحاة تأويل سيبويه، ثم رفضوا مذهب ابن السيد، والثاني من الأول.
অজানা পৃষ্ঠা