قلنا: التعلقات الأزلية قديمة بقدم الإرادة كما مر، والتعلقات الحادثة على طبقها -أي طبق التعلقات القديمة- فلها حكمها في عدم الاستناد إلى الاختيار، ولئن نزلنا عن هذا المقام فنحن ننقل الكلام إلى التعلق الحادث -أي تعلق الإرادة- الذي قلتم أنه يدور عليه الفعل وجودا وعدما ولا شبهة في أنه أمر ممكن في نفسه، وكل ممكن فإنه لا يترجح وجوده على عدمه بغير مؤثر وحينئذ إما أن يكون التأثير فيه بالإيجاب أو بالاختيار، إن كان الأول فقد تم الأمر وثبت الإلزام، وإن كان الثاني لزم أن للإرادة إرادة أخرى ويتسلسل أو يدور وكلاهما باطل اتفاقا، وشيء آخر: وهو أن كل ما وقع بالإرادة حادث كما مر وأنها عبارة عن القصد أو مستلزمة له وكلما وقع بالقصد حادث إجماعا فيلزم أن يكون الذات المقدس محلا للحوادث، وسنشير إلى ذلك قريبا إن شاء الله تعالى، فقد تبين مما ذكرناه أنه يلزمهم الإيجاب فارتفع الارتياب وانقطع الخطاب ولمثل هذا الباب الموحش ذهب كثير من المعتزلة إلى حدوث الإرادة في حق رب الأرباب -أعني أنهم لما تيقنوا ما يرد على القول بقدمها من لزوم الإيجاب المنافي للإختيار، قالوا: بأنها حاديثة وأنها من أفعاله عزوجل، وأنها موجودة على حد وجوده أي أنها لا في محل؛ لأنه تعالى موجد لا في محل، فلا يلزم القول: بأن ذاته محل الحادث إذ ليست الإرادة عندهم من الصفات الذاتية.
وأما ما قيل: من أن اختصاص كل صفة سواء كانت وجودية أو عدمية لاحتاج إلى مخصص ومرجح حتى يلزم بيان سبب التعلق المذكور، وأن البديهة قاضية بهذا، فدعوى غير مسموعة، كيف ودعوى البداهة حال قيام النزاع من العقلاء قدح في عقولهم، وليس القدح في عقولهم بأقرب من القدح في عقل المدعي للبداهة، وفيه كلام سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، والمعترض معترف في مباحث القدرة من جملة ما كتبه على قول المؤلف.
قلنا: لا فائدة إذا فيها بأن كل ممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بفاعل وإلا لجاز أن يوجد قديم ممكن لذاته من غير فاعل، وتستند سلسلة الممكنات بأسرها إليه ويفسد إثبات واجب الوجود سبحانه، هذا يلزمه تبعا لغيره منهم وهو حق لا ريب فيه.
فإن قلت: وجود الشيء بغير مخصص ومرجح لا يستلزم وجوده بغير فاعل والدعوى إنما كانت متعلقة بالأول والمعترض إنما اعترف بالثاني.
পৃষ্ঠা ৬৪