وأما دعواه لتعطيل المعتزلة لكثير من الصفات فعاطل وباطل؛ لأنهم هم وسائر العدلية لا يقولون أنه يمتنع تعلق قادريته تعالى بشيء من أجناس المقدورات ولا من أعيانها ما دامت مقدورات حقيقة، ولكنهم يقولون بما يقوله كل مسلم بأن تعلق القادرية متعقب لتعلق الإرادة، والله تعالى لا يريد القبح من أفعال العبد ولا خلق الطاعة فيهم؛ لأنه يبطل التكليف ويستلزم القبيح كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وأنت قد نبهت على أنه لا يشترط في كمال القدرة في أن تكون مؤثرة في كل شيء حتى القبائح وإلا لزم نقضها في الأزل وفيما لا يزال كما مر، وإذا لم يكن تأثيرها في كل شيء مشروطا في كمالها لم يكن عدم تأثيرها في أفعال العباد نقصا فيها فضلا عن كونه تعطيلا لها كما هو مراد ابن هشام، بل التعطيل إنما يلزم على مذهبهم لأنهم أحالوا تأثيرها في إيجاد قدرة للعبد مؤثرة في أفعاله الاختيارية، وهذا هو التعطيل؛ لأنه قصر القدرة القديمة التي أثبتوها وحصر ومنع عن إيجاد الممكن الذي إيجاد أكمل وأظهر في الاقتدار كما مر، وأيضا فقد قال من قال منهم: بأن الله تعالى لا يقدر على إظهار المعجزة على يد الكاذب مع أنها من الممكنات، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وعطلوا صفة الرحمة والرأفة وغيرهما، فلم يصح على مذهبهم معنى اسمه الرحمن ولا الرحيم ولا الودود ولا الرءؤف ولا الحكيم ولا العدل ولا القائم بالقسط وغير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات المقدسة، وكل ذلك من لوازم قاعدة الجبر وخلق الأعمال، فظهر أن تعطيل الصفات الكثيرة إنما يزلم على مذهبهم لا على مذهبنا على أن القدرة صفة واحدة ، فلا أدري ما مراده بالكثير من الصفات، فإن أراد مثل الضار والنافع فالمرجع بهما إلى القدرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى لما لا يخفى عليك أنه غفل عن المعنى الذي يفيد إضافة الرب إلى الضمير في قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك} لأن الرب يدل بحسب أصل الوضع على أنه لا يريد ولا يفعل لمن يريبه إلا ما فيه صلاحه لا ما فيه فساده، والمعترض معترف بهذا المعنى، وسيأتي إن شاء الله تعالى، وغفل أيضا عن أن هذه الآية في هذه السورة آخر القرآن نزولا على المشهور، وأنها مؤذنة بحصول الغرض ........العباد إلى ما يريده الله لهم من الخير حتى فهم العباس وابنه رضي الله عنهما أنها ناعية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ولم يفهم أحد من الصحابة رضي الله عنهم أن الرحمن الرحيم يأمرنا بالتسبيح والتنزيه عن أن يفعل القبائح غيره تعالى كما فهمته المجبرة الذين اعتقدوا أن بالرحمن الرحيم أضر على أكثر العباد من الشيطان الرجيم، فضلا عن أن يكون تعالى هو الرحمن الرحيم.
পৃষ্ঠা ৫৫