الثاني: أن هذا القول يقتضي إثبات مشيئة العبد وترجيحها لأفعاله الاختيارية، لكن لا بالاستقلال، وهذا باطل على مذهبهم لأنهم لا يقولون بأن مشيئة العبد مؤثرة في ترجيح شيء من أفعاله لا بالاستقلال ولا بغيره، وأن المرجح لأفعال العباد كلها حسنها وقبيحها مجرد مشيئته تعالى، ولذا استدلوا على ذلك بأمثال قول الله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وهي حجة عليهم كما سيجيء في موضعه.
الثالث: أن المعترض مصرح فيما سيأتي إن شاء الله تعالى بأن معنى كون العبد محدثا لأفعاله بدون استقلاله هو أنه يتوهم أنه مؤثر فيها بقدرته وإرادته، وزعم أن هذا هو معنى عدم الاستقلال، وأن معنى الاستقلال هو مذهب المعتزلة، وهو كون العبد مؤثرا في أفعاله بقدرته وإرادته، وهو منه نوع إنصاف؛ لأنه اعتراف بالجبر الخالص من الباطل قطعا وإجماعا، وما ألجأه إلى هذا الاعتراف إلا علمه بأنه لا مدخل للعبد في الفعل على مذهبهم لا باستقلال ولا بدونه، فرجع إلى التشبث بالأوهام في إثبات ما يدور عليه التكليف من التمكن والاختيار، وجعل توهم التمكن والاختيار كافيا في ذلك ودون العبد غير مستقل، لكن هذا مما لا يخفى بطلانه على عاقل.
পৃষ্ঠা ৩৯