ولعمري أن ابن حجر من هذا القبيل، والمعترض مغرم بمتابعة أهل هذا الجيل أعني الذين يعجبهم الحكم بأن هذا الحديث الشريف موضوع، فتركه للتعرض إما لأجل التظاهر للإنصاف ودعوى القبول للحق بالاعتراف، وإما لاظهار أنه ليس مستقضيا على جميع مواضع النزاع والخلاف، وإما للترفع عن ما هو معدود عن الفضلاء من السفساف، وإما لجهوله عند عادته وغفلته عن عصبته التي أركبته متن الاعتساف، وإما لقصوره عن العلم بما قاله بعض مشائخهم الأسلاف من الحكم على هذا الحديث بالوضع والاختلاف، وهذا هو الظاهر؛ لأنه قد أورده فيما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولم يتعرض في القدح فيه بوجه ما، بل قال: أن العلم الذي علي رضي الله عنه باب مدينته أعم من علم المعاملة، وعلم المكاشفة ما ذاك إلا الشائبة هوى فتعلق به بمسالك الصوفية وإلا فهو قد قدح في زعم الفاسد واعتقاده بالباطل فيما هو أرفع درجة وأصح متنا من هذا الحديث، -أي حديث: ((أنا مدينة العلم))_ فمن كان مثل المعترض مغرما برد الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل أهل البيت رضي الله عنهم، كيف يقبل مثل هذا الحديث بعض مشائخه قدوة، وحكم بوضعه كابن الجوزي فإنه أورده في موضوعاته، وصرح فيه بوضعه على عادته في المجازفة، ولما اطلعت بهذا أعني موضوعات ابن الجوزي تعجبت من صنيعه واقتحام شنيعه، وكذا النووي تبعه في هذا الصنيع الشنيع كأنه غفل من عادته في موضوعات، وليس مثل ذلك تعجب من مثل ما لأنهما من أهل الشام، وكذلك ابن دقيق العيد ما اشتهاره بالانصاف قد أشار في كتاب الذي سماه بالإلمام شرح كتابه المسمى بالإمام إلى أنه موضوع، كذلك الذهبي قد أورده في كتاب الذي ألفه في الضعفاء، وأورده في ترجمة محفوط بن يحيى الأنطاكي قدحا عليه، لكن.... تأخر، وبلفظ الحكمة بدلا عن لفظ العلم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم)) وأورده في الميزان في ترجمة يحيى بن يسار....... أيضا وجعل الخط فيه على يحيى المذكور، والله عليم بذات الصدور.
وأظن أن النكتة في توفر دواعي هؤلاء ونحوهم من الحاكمين عليه بالوضع هي أن افهامهم الميت بما ذكرناه آنفا من أن في هذا الحديث دلالة على استحقاق علي للخلافة دون غيره على هؤلاء [86] من أذكياء الأشاعرة، إلا أن ابن دقيق العيد كانت دينانته تغلب بدعته، فلا أدري ما حمله على هذه الجرأة.
পৃষ্ঠা ১৯১