وإن حكمت أي مصري
تحكمي ع المستحيل!
كما لا ترضينا لغة الأسجاع التي اتبعها المرحوم إسماعيل بك عاصم في تأليفه. خذ مثلا رواية (حسن العواقب) التي ظهرت سنة 1894م. واقرأ قوله على لسان طاهر لفاخرة: «أحسنت يا فاخرة، وبخ لأفكارك السافرة، وإن الثلاثة التي يحيا بها الإنسان، متوفر عندنا منها اثنان، وهما الصدقة الجارية، وكتب العلم الوافية» إلخ، على أن هذه اللغة أشرف مرارا من لغات بعض التآليف الحديثة، فالأولى سلسة رغم تكلفتها، كما أنها غالبا سليمة ونظمها رقيق، كما ترى في قوله على لسان سعيد مخاطبا سعاد:
يا (سعاد) ودعيني
واحفظي عهدي المصان
وإلى الهم دعيني
هكذا حكم الزمان (وقد أخطأ في قوله: «المصان» فصوابها «المصون»، و«المصان» لغة غلاف القوس.) وهي بحق لغة لم يصل إليها بعض مؤلفي اليوم الذين يتصدون بجراءة للنظم المسرحي على الأخص، فتخرج آثارهم خليطا عجيبا من الفصحى والعامية ...
ومن العجيب أن مديري الفرق التمثيلية يدعون أن شعراء البلد الممتازين وكتابه لا يتعاونون معهم، فيضطرهم ذلك إلى الانتفاع من أقلام من لم يبلغوا مرتبة الأدب الناضج، ويلجئون عادة إلى الترجمة والاقتباس، ويعتذرون بقولهم: إن جهدهم كيفما كان خير من لا جهد ... وهذه مغالطة واضحة، فهم يعلمون حق العلم أنه إذا كان بين شعراء مصر وكتابها من قد تسمح له الظروف وتدعوه العاطفة الشريفة إلى التبرع بآثار قلمه لفائدة جمعية خيرية أو ملجأ إحسان مثلا، فجميعهم تقريبا في حاجة إلى التعاون المادي وإن قل، ومن الفضيحة أن تبلغ الأنانية بأصحاب الفرق التمثيلية مبلغ البخل المتناهي بتشجيع التأليف المسرحي بينما نهضة التمثيل مرتبطة كل الارتباط بنهضة التأليف، وهذه الحقيقة منطبقة بالأخص على الأوپرا. فما على حضرات مديري الفرق إلا أن يتقدموا بمكافأة معقولة إلى المؤلفين، وهم لن يعدموا حينئذ القصص الراقية على اختلاف أنواعها تلبية لتشجيعهم. وهذا التشجيع تحتاج إليه الأوپرا على الأخص إذا كنا جادين، ومن المغالطة المخجلة أن تربح الفرق التمثيلية الغنائية المئات من الجنيهات بل الألوف من قصص تافهة لا قيمة أدبية لها ولا تخدم الأوپرا أقل خدمة حقة، ثم يضن على الشاعر العصري المؤلف بعشرات قليلة ثمنا لجهده وإبداعه القيم.
التلحين
للموسيقى منزلة عظيمة في الأوپرا، وهي منزلة التزكية للشعر كما قال جلك (Gluck) ، وقد أشرت سابقا إلى ضرورة احترام الألحان الأصلية أو روحها على الأقل في الأوپرات المترجمة، وإذا لم يكن هذا مستطاعا استطاعة وافية فلا أقل من أن نحترم أنفسنا باحترامنا الفن، فنشجع تمثيل الأوپرات الأجنبية بلغاتها وألحانها الأصلية لفائدة الخاصة والمتعلمين منا الذين يعدون بعشرات الآلاف، وفي وسعهم تفهم هذه الأوپرات وتقديرها. ولم توجد الأوپرات في الأصل لمرضاة العامة، وإنما هي نوع راق من الفن، بل مزيج من فنون لن يقدره التقدير اللائق به غير المتعلمين، فلن يحرم عامة الشعب من فائدة ما بوجود هذا التمثيل الأجنبي سواء باستمرار أو في موسم السياح فقط، أضف إلى ذلك أن لثقافتنا كل الفائدة من هذا الجوار والاتصال.
অজানা পৃষ্ঠা