============================================================
مقدمة حكمية تشتمل على قاعدة كلية
اعلم ، أيدك الله بروح منه ، ووفقك إلى الفهم عته ، أنه لم تزل الأمور السالفة كلما كانت أصعب على من شاهدها ، كانت أظرف عند [من] سمعها . وكذلك لا تزال الحال المستقبلة تصور في الوهم غيرا من الحالة الحاضرة ، لأن ملالة الحالة الحاضرة تزين فى الوهم الحالة المستقلة . فلذلك لا يزال الحاضر أيدا منقوصا حقه ، مجحودا قدره ، لأن القليل من شره يرى كثيرا ، إذ القليل من المشاهدة أرسخ من الكثير من الخبر ، وإذ مقاساة اليسير من الشدة أشق على النفس من تذكر الكثير مما سلف منها . مثال ذلك شخص أرقته البراغيث ليلة ، فتذكر بذلك ليالى ماضية أرقته فيها حرارة الحمى : فغير ذى شك أن توهم تلك الحمى ، وتذكر تلك الأيام الماضية ، أخف عليه من دبيب البراغيث علي جمسه ف وقته ذلك . ولا جرم أن هذا االحال ، وإن كان هكذا موقعه في الوقت الحاضر من الحس ، فليس كذلك حكمه فى الحقيقة، لأنه لا يقدر أحد أن يثبت القول بأن دبيب البراغيث على الجسم وقرصها أنكى من حرارة الحمى ، وأن السهر في حال الصحة أشد من السهر على أسباب المنية .
ولما كانت الحالتان هكذا في التمثيل ، وجب علينا أن تسلم للقائلين الذين ضاقوا ذرعا بحوادث زمنهم على ما زعسوه من آن هذه الحوادث صعبة عليهم ، ولا تسلم [لهم4 ما جاوزوا به الحد ، من [ادعائهم أتها في المقارنة والقياس أصعب من التى مضت مشاله] لو أن رجلا قام من فراشه ، وهو بمصر فى أيام الشتاء سحرا ، وبرز إلى رحاب داره فرأى الأمطار نازلة والأرض بالماء قد امتلأت فقال هذا يوم شديد البرد لكان ذلك من قوله غير مردود ولا منكر لأنه قال بما وجد في نفسه بما جرت عازة الناس أن يقولوه
পৃষ্ঠা ৭৯