قال مصنفه -رحمه الله-:
فالسنن النبوية، هي وحي من الله تعالى أيضا وعليها مدار الأحكام، وفيها معرفة أصول التوحيد وذكر صفات رب العالمين، وتنزيهه عن مقالات الملحدين، وفيها صفة الجنان، وما أعد الله فيها للأبرار ووصف النار، وما هيأ الله فيها للفجار، وما خلق الله تعالى في السموات والأرض من بديع المصنوعات، وعظيم الآيات، واختلاف أجناس المخلوقات من الملائكة والجن والأنس وسائر البريات، وفيها أنباء الأنبياء، وكرامات الأولياء، وقصص الأمم القدماء، وبيان مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وبعوثه وكتبه وأحكامه وأقضيته ومواعظه ووصاياه، ومعجزاته وأيامه وصفاته، وأخلاقه وآدابه وأحواله إلى حين مماته، وذكر أزواجه وأولاده وأصهاره وأصحابه، ونشر فضائلهم ومناقبهم وأقاويلهم في الشريعة، وفيها تفسير القرآن العظيم، وبيان لأكثر الآيات المجملة فيه، وبها عرف الحلال والحرام، والهدى من الضلال، وما يحبه الله ويرضاه ويقرب إليه ويبعد عنه، غير ما فيها من الفوائد الظاهرة والخفية والمعاني الشريفة التي لا توجد إلا فيها وكيف لا وهي كلام أفصح الخلق، وحبيب الحق، ومن أعطي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم - صلى الله عليه وسلم -.
وقد نصب الله تعالى للسنة رجالا رحلوا في طلبها إلى البلاد الشاسعة، وجمعوها من الأماكن القاصية على اختلاف وجوهها، وتشعب طرقها، وتغاير ألفاظها، وهذبوا إسنادها الذي أكرم الله به هذه الأمة، وحرروا أحوال رجالها، وبينوا الثقة من الصدوق، والعدل من المستور، والمشهور من المجهول، والقوي من اللين، والضعيف من الواهي، والمتروك من الكذاب، حتى عرف صحيح السنن من سقيمها، ومسندها ومرسلها، ومرفوعها من موقوفها، وموصولها من مقطوعها، ومعللها من سليمها، ومقلوبها من قويمها، ومتواترها من أفرادها، وشاذها ومشهورها من غريبها، وناسخها من منسوخها، ومبينها من مجملها، ودونوها للطالبين، ونفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وشبه المبتدعين، فأهلها هم خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين دعا لهم بالرحمة والنضرة.
পৃষ্ঠা ৩২২