وفتح الله عليَّ كثيرًا مما أُرتج على من سبقني من الحكماء المتدربين، فدونت ذلك لينتفع به من يقع عليه. وفي خلال ذلك ليس لي مكسب إلا بضاعة الطب. وكان لي منها أوفر حظ؛ إذ أعطاني الله من التأييد فيها ما عرفت به كل مرض يقبل العلاج من الأمراض التي لا علاج لها. فالحمد لله على جزيل مننه وعظيم فضله ونعمه.
وقد كنت قبل اشتغالي بهذه العلوم -وذلك في السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة- معتنيًا بالأخبار والحكايات، شديد الحرص على الاطلاع على ما كان من الزمن القديم، فاطلعت على التصانيف المؤلفة في الحكايات والنوادر على اختلاف فنونها، وطلبت الأخبار الصحيحة، فمالت نفسي إلى التواريخ، فقرأت كتاب أبي علي بن مسكويه الذي سماه تجارب الأمم، وطالعت تاريخ الطبري وغيرهما من التواريخ. وكانت تمر بي في هذه التواريخ أخبار النبي ﷺ وغزواته وما أظهر الله تعالى له من المعجزات، وحباه به من النصر والتأييد في غزوة بدر وغزوة خيبر وغيرهما، وقصة منشئه في اليتم والضعف، ومعاداة أهله له، وإقامته فيما بين أعدائه يجاهدهم بإنكار دينهم عليهم، والدعوة إلى دينه مدة طويلة وسنين كثيرة إلى أن أَذِنَ الله له في الهجرة إلى دار غيرها، وما جرى لأعدائه من النكبات ومصرعهم بين يديه بسيوف أوليائه ببدر وغيرها، وظهور الآية العجيبة في هزيمة الفرس، ورستم الجبار معهم في ألوف كثيرة، في غاية من الحشد والقوة، بين يدي أصحاب سعد بن أبي وقاص ﵁ وهم يسير على حالة شديدة من الضعف، وانكسار الروم وهلاك عساكرهم على يدي أبي عبيدة عامر بن الجراح وخالد بن الوليد ﵄ ثم سياسة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ﵄ وعَدْلهما وزهدهما.
ومع ذلك، فإني لكثرة شغفي بأخبار الوزراء والكتاب قد اكتسبت بكثرة مطالعتي لحكاياتهم وأخبارهم وكلامهم قوة في البلاغة ومعرفة بالفصاحة. وكان لي في ذلك طبع يحمده الفصحاء، ويُعجب به البلغاء، فشاهدت
1 / 13