السلام- ومن تقدمه على استباحته، فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل ما كان في التوراة محظورا.
وأيضا فلا تخلو المحظورات من أن يكون تحريمها مفترضا في كل الأزمنة؛ لأن الله سبحانه يكره ذلك المحظور لعينه١. وإما ألا يكرهه لعينه، بل نهى عنه في بعض الأزمنة.
فإن كان الله نهى عن عمل الصناعات في يوم السبت لعين السبت، فينبغي أن يكون هذا التحريم على إبراهيم ونوح أيضا؛ لأن عين السبت كانت أيضا موجودة في زمانهم، وهي علة التحريم. وإذا كان ذلك غير محرم على إبراهيم ومن تقدمه، فليس النهي عنه لعينه -أعني: في جميع أوقات وجود عينه- وإذا لزمكم أن تحريم الصناعة في يوم السبت ليس تحريما في جميع أوقات السبت، فليس يمتنع أن ينسخ هذا التحريم في زمن آخر.
وإذا ظهر قائم بمعجزات الرسالة وأعلام النبوة في زمن آخر بعد فترة طويلة، فجائز أن يأتي بنسخ كثير من أحكام الشريعة، سواء حظر مباحاتها، أو أباح محظوراتها. وكيف يجوز أن تحاج البينة باعتراض فيما ورد به من أمر ونهي، سواء وافق العقول البشرية أو باينها؟ لا سيما أن الخصوم قد طالما تعبدوا بفرائض مباينة للعقول، كطهارة أنجاسهم برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها قبيل أوان الحج، ونجاسة طاهرهم بذلك الرماد بعينه٢.
_________
١ المحظور لعينه ما يترتب على الإتيان به ضرر أو فساد أو ما أشبه ذلك، مثل الكذب والقتل والزنا والسرقة والخيانة ونحو ذلك. فهذا لا يباح قط، ولا يتأتى فيه النسخ.
٢ سيتعرض المؤلف لهذا الموضوع قريبا؛ وإنما مراده هنا أن الأمور التعبدية قد تخفي حكمتها. ثم ضرب لليهود مثلا على ذلك من واقع كتابهم وحياتهم، ألا وهو طهارة من انتابته نجاسة منهم مادية أو معنوية برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها بعد ذبحها، وفي طرح هذا الرماد على الشخص نجاسة وقذارة، فأين التنزه عن النجاسة؟
1 / 28