ولمّا رأى قدماءُ المصريين أنّ عمارة أرضهم إنّما هي بنيلِها، جعلوا أوّل سنتهم أولّ الخريف وذلك عند بلوغ النيل الغاية القصوى من الزيادة.
ومنها أن الصَّبا محجوبة عنهم بجبلها الشرقي المسمَّى المقطَّم، فإنَّه يستر عنها هذه الريح الفاضلة وقلّما تهبُّ عليهم خالصةً اللهمَّ إلّا نكبًا، ولهذا اختار قدماء المصريين أن يجعلوا مستقر الملك منَف ونحوها مما يبعد عن هذا الجبل الشرقي إلى الغربي واختار الروم الإسكندرية وتجنَّبوا موضع الفسطاط، لقربه من المقطَّم فإنَّ الجبل يسترُ عما في لِحْفِه أكثر ممَّا يستر عما بعُدَ منه، ثم إنَّ الشمس يتأخَّر طلوعها عليهم فيقلّ في هوائهم النضجُ ويبقى زمانا على نهوة الليل، ولذلك تجد المواضعَ المنكشفة للصَّبا من أرض مصر أحسن حالًا من غيرها ولكثرَة رطوبتها يتسارع العفنُ إليها، ويكثرُ فيها الفأرُ ويتولَّد من الطين والعقارب وتكثر بقوص كثيرًا ما تقتل بلبسها والبقُّ المنتنُ والذبابُ والبراغيثُ تدوم زمانًا طويلا.
ومنها أن الجنوب إذا هبَّت عندهم في الشتاء والربيع وفيما بعد ذلك، كانت باردة جداَ ويسمونها المريسي لمرورها على أرض المريس وهي من بلاد السودان، وسبب بردها، مرورها على بِرَكٍ ونقائع، والدليل على صحّة ذلك أنّها إذا دامت
أيّاما متوالية، عادت إلى حرارتها الطبيعية وأسخنت الهواء وأحدثت فيه يَبسًا.
الفصل الثاني
فيما تختص به من النبات
من ذلك البامية وهي ثمر بقدر إبهام اليد كأنَّه جرأ القثاء شديد الخضرة، إلّا أن عليه زيبر مشوكًا وهو مخمَّس الشكل، يحيط به خمسة أضلاع فإذا شق أنشقَّ عن خمسةِ أبياتٍ بينها حواجز، وفي تلك الأبيات حبٌّ مصطفٌّ مستديرٌ أبيض، أصفر من اللوبيا هشٌّ يضرِبُ إلى الحلاوة وفيه قبضٌ ولعابية كثيرةٌ يَطبخُ أهل مصر به اللّحم بأن يقطَّع مع قشوره صغارا ويكونُ طعامًا لا بأس به، الغالب على طبعه الحرارة والرطوبة، ولا يظهر في طبيخه قبضٌ بل لزوجة.
ومن ذلك الملوخية ويسمِّيها الأطباء الملوكية، ولعمري هي الخبازى البستاني، والخطمي أيضا نوع من الخبَّازى البري، والملوخية أشدُّ مائيَّة ورطوبةً من الخبَّازى وهي باردة
1 / 7