أكلة واحدة في اليوم والليلة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولم يتزوج، وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف، ولذا قال ابن السبكي رحمهما الله تعالى: إنه كان سيدًا حصورًا وزهدًا، لم يبال بخراب الدنيا، إذا صير دينه ربعًا معمورًا له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنّة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة.
كانت عليه سكينة ووقار في البحث مع العلماء وفي غيره، وكان آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، يواجه بهما المملوك والأمراء، ويكتب إليهم الرسائل ناصحًا بالعدل فى الرعية، وإبطال المكوس (١)، وردّ الحقوق إلى أربابها. قال أبو العباس بن فرج رحمه الله تعالى: كان الشيخ قد صارت إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص شُدت إليه الرحال. المرتبة الأولى: العلم، الثانية: الزهد، الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: إنه قام على الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أراد وضع الأملاك على بساتينها فردّ عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه، حتى كان يقول: أنا أفزع منه.
وفاته رحمه الله تعالى:
سافر في آخر عمره إلى بلده نوى بعدما حج وزار القدس ووصل الخليل فمرض بها عند والديه وتوفي ليلة الأربعاء لست بقين من رجب سنة ٦٧٦ هـ ست وسبعين وستمائة، ولما بلغ نعيه إلى دمشق أسف عليه
_________
(١) المكوس: بضم الميم جمع مَكس وهو ما يفرضه الحاكم من الإتاوة عن السلع التي تباع أو تجلب وغير ذلك.
1 / 9