وَحين اتَّصل الْمُسلمُونَ الْعَرَب بِغَيْر الْعَرَب من الشعوب مِمَّن أَسْلمُوا واطمأنت بِالْإِسْلَامِ قُلُوبهم أَو مِمَّن تظاهروا بِالْإِسْلَامِ ليكيدوا لَهُ من الدَّاخِل وصلت إِلَى مسامع الْمُسلمين الْأَوَائِل أُولَئِكَ عقائد ومعارف دينية غير الَّتِي عرفوها فِي الْقُرْآن وَالسّنة ألهم الله تَعَالَى كبار التَّابِعين وأتباعهم التَّوَجُّه إِلَى تَقْرِير قَوَاعِد الْإِسْلَام وأركان الْإِيمَان ومسائلها وبسطها وَضرب الْأَمْثِلَة عَلَيْهَا بِمَا يُوضح ويحقق الْيَقِين عِنْد غير الْعَرَب السَّابِقين خَاصَّة فِي قضايا الإعتقاد ومسائل الْإِيمَان ووفق الله تَعَالَى بعض أُولَئِكَ التَّابِعين لعرض مسَائِل عقائد الآخرين وَبَيَان فَسَادهَا وضلالها من خلال الْقُرْآن وَالسّنة وَالْعقل والفكر السَّلِيم فَظهر علم التَّوْحِيد أَو مَا سمي بِعلم الْكَلَام
وكما كَانَت كتابات اللُّغَة الْعَرَبيَّة أول أمرهَا وجيزة ويسيرة ثمَّ توسعت وتعمقت كَذَلِك كَانَ الْأَمر فِي علم التَّوْحِيد وَمَا يُقَال فِي هذَيْن العلمين يُقَال فِي سَائِر الْعُلُوم من التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن من الْفِقْه والْحَدِيث والسيرة والتاريخ
فَبعد أَن كتب التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى (الْفِقْه الْأَكْبَر) الَّذِي لَا يزِيد على سِتّ صفحات من أصُول مسَائِل الإعتقاد رَأينَا بعد ذَلِك من توسع فِيهِ - تبعا للْحَاجة - فشرح الْمَوْجُود وأضاف مَا يرَاهُ من البحوث والموضوعات الَّتِي لَهَا علاقَة بِعلم التَّوْحِيد
وَبعد أَن كتب الْمُحدث الْفَقِيه الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رسَالَته فِي العقيدة وسماها (بَيَان السّنة وَالْجَمَاعَة) فِي عشر صفحات جَاءَ من يشرحها بعدة بقرون بعشرات من الصفحات ومئاتها وَهَكَذَا ثمَّ توسع وَشرح وأفاض فِي الْكِتَابَة فِي علم التَّوْحِيد الإمامان الجليلان أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو مَنْصُور الماتريدي رحمهمَا الله تَعَالَى وهما - وَإِلَى الْآن - الْعُمْدَة لمن كتب بعدهمَا فِي علم التَّوْحِيد مثل الباقلاني وَالْغَزالِيّ وَالْفَخْر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم
قَالَ ابْن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى نسب علم الْكَلَام إِلَى الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ بَين مناهج الْأَوَّلين ولخص موارد الْبَرَاهِين وَلم يحدث فِيهِ بعد السّلف إِلَّا مُجَرّد الألقاب والإصطلاحات وَقد حدث ذَلِك فِي كل فن من فنون الْعلم وَمثل ذَلِك قَوْله
1 / 8