وقدم المضمضة قبل الاستنشاق، وقدمهما قبل غسل الوجه، فإن عارض معارض بقوله عليه الصلاة والسلام للقيط([40]) بن صبرة: ( إذا توضأت فضع في أنفك ماء ثم استنثر )، والفاء توجب التعقيب، قيل له والله أعلم النظر يوجب عندي أن معنى الحديث يتوجه أن يكون إذا أردت أن تتوضأ فابدأ بالمضمضة والاستنشاق، والدليل على هذا التأويل قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم }، أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثين فابدءوا بالوضوء قبل الصلاة، ويحتمل أن يتوجه إلى غسل اليدين، أي إذا غسلت يديك فضع في أنفك ماء، والدليل على هذا التأويل أن الغسل يسمى وضوء، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله تصيبني الجنابة من الليل ماذا أصنع؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( توضأ واغسل رأس ذكرك([41]) )([42]) أراد غسل يديه ثم ذكره، لأنه لم ينقل([43]) إلينا من أحد بلغنا جعل المضمضة والاستنشاق بعد الوضوء والله أعلم.
ويبدأ بالمضمضة ويجعل إصبعه في شدقه اليمين، يأخذ من رباعيته ثم يمر على أضراسه العليا ثم السفلى إلى رباعيته السفلى، ثم يرجع إلى شدقه الشمال فيعمل به مثل ما عمل باليمين ويدخل في أنفه عند الاستنشاق السبابة والوسطى إلى العظم إلا إن لم يمكنه ذلك فليفعل ما يمكنه، وإن مضمض واستنشق بعود أو حجر أجزاه ذلك، وإصبعه أفضل لأن المضمضة والاستنشاق غسل لفيه وأنفه، ولذلك يجزيه، والدليل ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالوضوء لما مسته النار([44]) فهو عندنا غسل اليد والفم، وما روي عنه أنه عليه الصلاة والسلام أوتي بسويق فشربه ومضمض فاه وصلى، وسمى المضمضة غسلا([45])، والغسل عند أصحابنا إفراغ الماء وإمرار اليد([46]) على البدن، وأما غيرنا([47]) فصب الماء عندهم بظاهر اللغة، قال الشاعر:
পৃষ্ঠা ৫২