وإن لم يسلك هذا المسلك، قلنا: هذا مما لا يقال، انطلاق هذه التسمية التي هي العقل على أعذار أشرنا إليها، ولا يحد أيضًا لأنه لا يلوح معنى تجتمع فيه هذه الأعذار ويتميز به عما سواها.
وقد أحسن القاضي في أن صاغ في هذه المسألة لنفسه دليلا، اشتمل على نقض سائر المذاهب على كثرتها سوى مذهبه، وبحث عن الحق بالتقسيم فقال: لا يمكن أن يكون العقل عدما إذ العدم لا تخصيص له بالذوات، فيقتضي كون شخص عاقلا، دون شخص آخ، فثبت كونه موجودا، ولا يصح أن يكون هذا الموجود قديما، إذ لا اختصاص له أيضا بذات دون ذات، ولا يصح أيضًا أن يقوم بالقدم كما تقوم به الصفات، فثبت كونه محدثا، ولا يصح كونه جوهرا لتماثل الجواهر، فليس العقل بأن يكون هو العاقل أولى من أن يكون العاقل هو العقل.
وأيضا فإنه لا يصح قيام جوهر بالعاقل كما تقوم به الصفات، فثبت كونه عرضا، فلا يصح أن يكون الأعراض كلها، لأن من لا يتحرك، أو من لا يتكلم فذو عرض وهو عاقل، فصح أنه بعضها، ولا يصح أن يكون هذا البعض خارجا عن العلوم، لاستحالة وصف من لا علم له أصلا بأنه عاقل فصح أنه من العلوم، ولا يصح أن يكون كلها، لأن منها دقائق علوم النظر، والأبله المغفل لا نظريات عنده، وهو مع هذا عاقل، فصح أنه من الضروريات، ولا يكون كلها، لأن الأعمى والأصم فقدا علوما ضرورية، وهما عاقلان فصح أنه بعض العلوم الضرورية، وهذا نهاية ما أنهى إليه القاضي مذهبه على اختلاف عنه في العبارة عنه (قد ... ته).
وهذا دليل كما تراه قد بحث عن الحق بالتقسيم المنحصر بين النفي والإثبات، وهو من أجل طرق الاستدلال لكن أثار أبو المعالي في أحد هذه الأقسام منازعه أدته إلى الخلاف في حقيقة العقل كما حكينا مذهبه فيه فقال، العقل صفة (خ ...) العلوم (...)، والانفصال عن ما أبطل به القاضي هذا الوجه أن يجعل العلوم شرطا في وجود العقل الذي هو خلافها فلا (... ها) مع فقدان العقل، كما لا ينكر امتناع وجود العلم مع
1 / 87