الموقعة لهم في العذاب، فدل ذلك على أنهم أمروا بالصلاة فلم يفعلوها فعذبوا عليها، ولا معنى عن هذا بقوله: هذا قول الكفار، والكافر لا حجة في قوله، لأن الله سبحانه أخبر بذلك عنهم تحذيرا للمؤمنين أن [يفعلوا] فيما وقعوا فيه من الموبقات، فلو كانت هذه أكاذيب لم يصح التحذير بها، ولا كذبهم البارئ سبحانه في كذبهم، ولا أنكر عليهم، كما أنكر عليهم ما ذكروه عن أنفسهم من هذه الموبقات.
وكذلك إن قيل المراد بهذا: لم يكن من المصدقين للصلاة، وذلك يرجع إلى التكذيب بالإيمان لم يصح هذا التأويل، لأن تسمية المصدق بالصلاة مصليا مجاز، والكلام محمول على الحقائق، لا يصرف عنها إلا بدليل، وهكذا طريقة الاستدلال بقوله سبحانه: (ويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة) لأن هذا ذم (...) لا أن الزكاة منعوها بعد أمرهم بها لما نصوا عليها وقد قيل: إن هذا نعت لهن، فلا يستدل به، فيقال: وإن كان نعتا فالقصد [به] الذم، فبقصد الذم استدلالنا لا بمجرد النعتية.
وقد ذكر ابن فورك معنى في تخصيص الزكاة دون غيرها من العبادات فقال [إن] الزكاة يحمل على منعها البخل والشح، وكانت العرب تأنف من أن يرمز إليها بالشح والبخل، وترى ذلك من المعرات التي تتقيها، اختصت الزكاة بهذا المعنى الذي يُتقى أن يشار إليها به، خصت، بالذكر دون غيرها من العبادات.
وكذلك يستدل أصحاب هذا المذهب بقوله تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة * وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) فنص في هذه الآية على أن أهل الكتاب أمروا بالصلاة والزكاة، وإن سلكوا في المدافعة عنها (...) ما قدمنا دفعناهم بنحو ما تقدم، وحملنا الكلام على حقائقه، وقد قال تعالى في المنافقين: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فذمهم على التكاسل عن الصلاة، فلولا أنهم مخاطبون بها ما ذموا عليها.
وهذا أيضًا يقول فيه الآخرون هم أظهروا الإسلام، والتزام أحكامه فخوطبوا كما يخاطب أهله، والقصد ذمهم على النفاق، فهذا وجه الاستدلال بالقرآن [ومن ثم] فلا
1 / 81