إنك لن تستطيع أن تنكر أن حبيبتك قد نالها غيرك قبلك، وسينالها غيرك بعدك أيضا، ولكنك ستقول لي: إنك لا تهتم لهذا ما دام حبها لا يشرك بك أحدا. أما أنا فأقول لك: إذا كان سواك قد تمتع بها، فما يهمك أن يكون وقع ذلك في الأمس أو منذ سنتين؛ وبما أن سواك سيتمتع بها بعدك، فما يهمك وقوع ذلك في هذا المساء أو بعد سنتين. إذا كانت هذه المرأة لن تحبك إلا إلى حين، فما يهمك إن قصر حبها على ليلة أو طال إلى سنين.
ألست رجلا يا أوكتاف؟! أفما ترى الأوراق تتساقط عن أغصانها، والشمس تشرق فتغرب؟ أفما تسمع نبضات ساعة الزمان في كل خفقة من خفقات فؤادك؟ فأي فرق لدينا إذن بين غرام سنة وغرام ساعة من الزمان؟ أفليس مجنونا من يتطلع من نافذة تقدرها الكف ليرى المدى الذي لا نهاية له.
أنت تلقب المرأة التي تحبك عامين دون أن تخونك بالمرأة الشريفة، ولعل لديك مقياسا خاصا تعرف منه ما تقتضيه قبلات الرجال من الزمن لتجف على شفاه النساء.
إنك لتجد فرقا كبيرا بين المرأة التي تستسلم للحصول على المال، وبين من تستسلم طلبا للذة، وتجد مثل هذا الفرق أيضا بين من تبذل نفسها إجابة لداعي الكبرياء، ومن تبذلها في سبيل إخلاصها. إن بين من تشتري من النساء من تقدر لها ثمنا يزيد على ثمن سواها، وبين اللواتي تطلب فيهن تمتع حواسك من تنال ثقتك دون سواها، وبين من يدفعك الغرور إلى نيلهن من تباهي بالظفر بها بأكثر مما تباهي بامتلاك أخرى سواها، وبين من تخلص لهن أنت من تهبها ثلث قلبك، في حين أنك لا تهب الأخرى سوى ربعه، وتهب غيرهما نصف هذا القلب، وذلك تبعا لما تقدره لإحداهن من التهذيب والعادات، وما تراه لها من كرامة الأصل، وروعة الجمال، واعتدال المزاج، وتبعا للظروف الطارئة أيضا لما يقوله الناس، وبحسب تأثير الساعة وما تناولت من مشروب مع عشائك.
إن النساء يستسلمن إليك، أيها الصديق، لا لسبب إلا لأنك في شرخ الشباب المتقد، ولأن استدارة وجهك لا عيب فيها، ولأن شعرك مسرح باعتناء، ولكنك لاتصافك بهذه الصفات لا تعرف من هي المرأة.
إن أول ما ترمي الطبيعة إليه إنما هو استبقاء النوع؛ لأن الحياة أينما تجلت من قمم الراسيات إلى قعر البحار تفزع من الموت، وتنفر من الفناء، وما فرض الله هذا الناموس إلا استبقاء لخليقته، فوضع اللذة العظمى في الاتصال الجنسي بين الأحياء.
إن النخيل يرتعش غراما عندما يرسل إلى أنثاه ذرات الحياة تحملها سافيات الرياح، وإذا قاومت الوعل أنثاه فإنه لا يني ينطحها حتى يبقرها، والحمامة تنتفض تحت جناحي زوجها كأرق العشيقات إحساسا.
وهكذا الرجل، عندما يضم رفيقته بين ذراعيه أمام عظمة هذا الوجود يشعر بالشرارة الإلهية التي خلق منها تهب مشتعلة في صميم فؤاده.
أيها الصديق، إذا ما ضممت إلى صدرك امرأة ملؤها الصحة والجمال، وشعرت بسكرة الغرام تفجر الدمع من مآقيك، وبالخلود في صميم فؤادك يدفع إلى شفتيك بالقسم تزفره زفرا بثبات حبك إلى الأبد، فلا تكبح جماح نفسك، حتى ولو كانت المرأة التي تضم بين ذراعيك من بنات المواخير، ولكن حذار ألا تميز بين الخمرة التي تكرعها، والثمل الذي يسود مشاعرك منها، ولا تحسبن الكأس هي الكوثر الذي تشربه. وهكذا لن تتفجع إذا ما رأيت هذه الكأس محطمة أمامك في إحدى الليالي، فما المرأة إلا وعاء من صنعة الخزاف سريع سقوطه، وسريع انحطامه.
وجه شكرك لله؛ لأنه سمح لك بأن تلمح السماء، فلا يخدعنك في جوانحك خفقان تحسبه خفوق جناح؛ فإن الأطيار نفسها لا يمكنها أن تخترق السحاب، وفي الأعالي طبقات لا هواء فيها. أفما رأيت القنبرة ترتفع محلقة إلى مسارح الضباب وهي تغرد لترتمي بعد تحليقها ميتة إلى أخاديد الحقول؟
অজানা পৃষ্ঠা