تحجرت كالتمثال مكاني، وعندما سمعت انفتاح الباب التفتت وقالت قبل أن تراني: أهذا أنت؟
وكانت تنتظر خصمي ليذهب بها إلى مرقص، وإذ عرفتني قطبت حاجبيها وتبرمت، وتراجعت قاصدا الانسحاب، ولكنني رأيت رقبتها الناعمة وقد عقص عليها شعرها، وربط عليه مشط من الماس، والتفت فوقه خصلتان ركزتا بسنبلتين من الفضة، ولاح كتفاها وعنقها بأنصع بياض، فكأن شعرها المعقوص مرتفعا لبدة أسد تهزأ بالمشهد الذليل الذي وقفت عنده منذ هنيهة.
وجمت لحظة ثم تقدمت فجأة إلى هذه المرأة وأنزلت بقبضتي ضربة قاسية على رقبتها، فلم تصرخ، بل سقطت إلى الأمام مرتمية على يديها، وعندئذ أسرعت بالانصراف.
وما إن وصلت إلى منزلي حتى عاودتني الحمى بشدة، فلزمت الفراش وقد نكئ جرحي فآلمني كثيرا، وجاء ديجنه لعيادتي فأطلعته على ما جرى، وبعد أن أصغى إلي بكل هدوء أخذ يتمشى في الغرفة كمن عزم على أمر يتردد في تنفيذه، وأخيرا وقف أمامي وأطلق ضحكة عالية وقال: أهذه المرأة أولى خليلاتك؟
فقلت: لا، بل هي الأخيرة.
وعند منتصف الليل بينما كنت مستغرقا في نومي المضطرب خيل إلي أنني أسمع تنهدا عميقا، وإذ فتحت عيني رأيت خليلتي واقفة قرب سريري وقد شبكت يديها على صدرها كأنها شبح من العالم الثاني، فما ملكت روعي فصرخت حاسبا أن ما أراه خيال جسمه دماغي المحموم، فنهضت مذعورا وهربت إلى زاوية الغرفة، ولكنها تبعتني وقالت: أنا هي، وضمتني إليها، فصحت بها: ماذا تطلبين؟ دعيني وشأني وإلا قتلتك.
فقالت: لك أن تقتلني؛ فإنني خنتك وكذبت عليك، وما أنا إلا شقية حقيرة، ولكنني لا أطيق الحياة بدونك.
ونظرت إليها فإذا هي مجسم الجمال، وقد ارتعشت أعضاؤها واشتعلت عيناها بنيران الشهوة، وكان عنقها عاريا وشفتاها تحترقان، فطوقتها بذراعي وقلت لها: ليكن ما تريدين، ولكنني أقسم بالله الذي يرانا، وبروح أبي، أنني سأقتلك وأنتحر بعدك.
وأخذت خنجرا كان على رف الموقد ودسسته تحت الوسادة، فابتسمت وقبلتني قائلة: ما لك ولهذه الحماقة يا أوكتاف؟ تعال إلي! إنك ترهق نفسك وأنت محموم، أعطني هذا الخنجر.
ولما رأيت أنها تحاول أخذه قلت لها: أصغي إلي. إنني لا أعرف من أنت، ولا أية مهزلة تمثلين. أما أنا فليس من المهازل ما أفعل. لقد بلغ حبي إياك أقصى حد يصل إليه حب إنسان على الأرض، فكان ذلك لشقائي وموتي، فاعلمي أنني لم أزل أتفانى في هواك. تقولين إنك تحبينني أيضا، فأنا أطاوعك في رغبتك، وأقسم بأقدس ما في الكون بأنني إذا ما اندمجت بك هذا المساء فلن يلمسك أحد سواي غدا. سأتمتع بك أمام الله إذا ما رضيت، ولكني سأقتلك قبل انفلاق الصباح ...
অজানা পৃষ্ঠা