320

{ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب}: وأيضا فقدر جواب لو، وهو غير مترتب على ما يلي لو، لأن رؤية السامع، أو النبي صلى الله عليه وسلمالظالمين في وقت رؤيتهم، لا يترتب عليها إقرارهم أن القوة لله جميعا. وصار نظير قولك: يا زيد لو ترى عمرا في وقت شربه، لأقر أن الله قادر عليه، وإقراره بقدرة الله ليست مترتبة على رؤية زيد. وعلى من قرأ: ولو يرى، بالياء من أسفل وفتح، أن يكون تقدير الجواب: لعلموا أن القوة لله جميعا، وإن كان فاعل يرى هو الذين ظلموا، وإن كان ضميرا يقدر ولو يرى هو، أي السامع، كان التقدير: لعلم أن القوة لله جميعا. ومنهم من قدر الجواب محذوفا بعد قوله {وأن الله شديد العذاب}، وهو قول أبي الحسن الأخفش، وأبي العباس المبرد، وتقديره: على قراءة ولو ترى بالخطاب، لاستعظمت ما حل بهم، وعلى قراءة ولو يرى للغائب، فإن كان فيه ضمير السامع كان التقدير: لاستعظم ذلك، وإن كان الذين ظلموا هو الفاعل، كان التقدير: لاستعظموا ما حل بهم. وإذا كان الجواب مقدرا آخر الكلام، وكانت أن مفتوحة، فتوجيه فتحها على تقديرين: أحدهما أن تكون معمولة ليرى في قراءة من قرأ بالياء، أي ولو رأى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا. وأما من قرأ بالتاء، فتكون أن مفعولا من أجله، أي لأن القوة لله جميعا، ومن كسر أن مع قراءة التاء في ترى، وقدر الجواب آخر الكلام، فهي، وإن كانت مكسورة على معنى المفتوحة، دالة على التعليل، تقول: لا تهن زيدا إنه عالم، ولا تكرم عمرا إنه جاهل، فهي على معنى المتفوحة من التعليل، وتكون هذه الجملة كأنها معترضة بين لو وجوابها المحذوف. وأما قراءة من قرأ بالياء من أسفل وكسر الهمزتين، فيحتمل أن تكون معمولة لقول محذوف هو جواب لو، أي لقالوا إن القوة، أو على سبيل الاستئناف والجواب محذوف، أي لاستعظموا ذلك، ومفعول: ترى محذوف، أي ولو رأى الظالمون حالهم. وترى في قوله: ولو ترى، يحتمل أن تكون بصرية، وهو قول أبي علي، ويحتمل أن تكون عرفانية. وإذا جعلت أن معمولة ليرى، جاز أن تكون بمعنى علم التعدية إلى اثنين، سدت أن مسدهما، على مذهب سيبويه. والذين ظلموا، إشارة إلى متخذي الأنداد، ونبه على العلية، أو يكون عاما، فيندرج فيه هؤلاء وغيرهم من الكفار. لكن سياق ما بعده يرشد إلى أنهم متخذو الأنداد. وقراءة ابن عامر: إذ يرون، مبنيا للمفعول، هو من أريت المنقولة من رأيت، بمعنى أبصرت. ودخلت إذ، وهي للظرف الماضي، في أثناء هذه المستقبلات، تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه، كما يقع الماضي المستقبل في قوله: {ونادى أصحاب النار}(الأعراف: 50)}، وكما جاء:

بقيت وفري وانحرفت عن العلى

ولقيت أضيافي بوجه عبوس

لأنه علق ذلك على مستقبل، وهو قوله:

إن لم أشن على ابن هند غارة

لم تخل يوما من نهاب نفوس وحذف جواب لو، لفهم المعنى، كثير في القرآن، وفي لسان العرب. قال تعالى: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}(سبأ: 51)}، {ولو ترى إذ وقفوا على النار}(الأنعام: 27)}، {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال}(الرعد: 31)}، وقال امرؤ القيس:

وجدك لو شيء أتانا رسوله

سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

هذا ما يقتضيه البحث في هذه الآية من جهة الإعراب.

وانتصاب جميعا على الحال من الضمير المستكن في العامل في الجار والمجرور. والقوة هنا مصدر أريد به الجنس، التقدير: أن القوى مستقرة لله جميعا، ولا يجوز أن تكون حالا من القوة، لأن العامل في القوة أن، وأن لا تعمل في الأحوال.

وهذا التركيب أبلغ هنا من أن لو قلت: إن الله قوي، إذ تدل هنا على الإخبار عنه بهذا الوصف. وأن القوة لله تدل على أن جميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى، وتأخر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن ذلك، لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.

পৃষ্ঠা ৩৫২