فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إلى صالح بن بهلة، وأقبل يلعن الهند
وطبهم ويقول: وا سوأتا من الله أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أشرب
النبيذ! ثم دعا برطل من النبيذ ومزجه بالماء وألقى فيه من الملح شيئًا وأخذ يشرب منه
ويتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعامه وشرابه، وبكر إلى دار إبراهيم فقصد الخدم
بالرشيد إلى رواق فيه الكراسي والمساند والنمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال:
لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة على أكثر من البسط فارفعوا هذه الفرش والنمارق!
ففعل ذلك وجلس الرشيد على البساط، وصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم ولم تكن
السنة كذلك.
ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد، فلم ينطق أحد إلى أن سطعت روائح المجامر
فصاح صالح بن بهلة عند ذلك: الله الله يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي
فيتزوجها من لا تحل له! الله الله أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث! الله الله أن تدفن
ابن عمك حيا! فوالله ما مات! فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه! وهتف بهذا القول
مرات، فأذن له بالدخول على إبراهيم، ثم سمع الجماعة تكبيرًا فخرج صالح بن بهلة وهو
يكبر، ثم قال: يا أمير المؤمنين قم حتى أريك عجبًا! فدخل إليه الرشيد ومعه جماعة من
خواصه، فأخرج صالح ابرة كانت معه وأدخلها بين ظفر ابهام يده اليسرى ولحمه، فجذب
إبراهيم يده وردها إلى بدنه، فقال صالح: يا أمير المؤمنين! هل يحس الميت الوجع؟ فقال:
يا أمير المؤمنين! أخاف أن أخاف إن عالجته فأفاق وهو في كفن يجد منه رائحة الحنوط
أن ينصدع قلبه فيموت موتًا حقيقيًا، ولكن مر بتجريده من الكفن ورده إلى المغتسل وإعادة
الغسل عليه حتى يزول منه رائحة الحنوط، ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال
صحته، ويطيب بمثل ذلك الطيب، ويحول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها!
حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين فإنه يكلمه من ساعته، قال أبو سلمة: فوكلني الرشيد
بالعمل بما حد صالح بن بهلة ففعلت ذلك، قال: ثم سار الرشيد وأنا معه ومسرور إلى
الموضع الذي فيه إبراهيم، ودعا صالح بن بهلة بكندس ومنفخة من الخزانة، ونفخ من
الكندس في أنفه فمكث مقدار سدس ساعة ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس فكلم
الرشيد وقبل يده، وسأله الرشيد عن قضيته فذكر أنه كان نائمًا نومًا لا يذكر أنه نام مثله قط
طيبًا إلا أنه رأى في منامه كلبًا قد أهوى إليه فتوقاه بيد فعض ابهام يده اليسرى عضة انتبه
بها وهو يحس بوجعها وأراه ابهامه التي كان صالح بن بهلة ادخل فيها الإبرة، وعاش
إبراهيم بعد ذلك دهرًا ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر
وقبره بها- انتهى.
عبد الله بن عمر الهباري
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الربيع الهباري القرشي أحد ولاة السند قام
بالملك بعد والده عمر بن عبد العزيز، واستقل به مدة من الزمان، وكان يخطب للخليفة
العباسي في جامع المنصورة، وتداول أولاده ملكها إلى أن انقطع أمرهم على يد محمود بن
سبكتكين صاحب غزنة.
عمر بن عبد العزيز الهباري
عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الربيع بن عبد الرحمن بن هبار بن الأسود بن المطلب بن
أسد بن عبد العزى القرشي المتغلب على بلاد السند، قدمها جده مع الحكم ابن عوانة
الكلبي وسكن في الهند، وكان عمر هذا قتل عمران بن موسى البرمكي كما تقدم، ولما ولي
عنبسة ابن إسحاق الضبي من قبل المعتصم بالله العباسي أذعن له بالطاعة، ثم لما قتل
هارون بن أبي خالد المروروذي سنة أربعين ومائتين وثب واستولى على الملك، وأذعن له
بالطاعة أهل المنصورة ورضي بولايته المتوكل على الله العباسي، فقام بالأمر مدة من الزمان
كما في فتوح البلدان،
1 / 55