ইব্রাহিম থানি
إبراهيم الثاني
জনগুলি
واكتسب بالأناة، على الأيام، الإنصاف حتى من نفسه. وصارت له قدرة نادرة على وضع نفسه فى موضع غيره، وتصور ما يصدرون عنه من بواعث، وكيف يجيبون ما يهيب بهم من هواتف. وما أكثر ما حزن وتألم، ولكنه كان يستطيع، وهو يعانى ما يعانى، أن يمهد العذر للذى أورثه الألم أو الحزن.
وقال لنفسه: «إن ميمى تظلمنى، فما لى ذنب فيما كان. وتظلمنى ظلما ثانيا حين يثقل على كاهل صبرها أنها حرمت ما كانت تتطلع إليه، فقد كان الحرمان نصيبى أنا أيضا. ثم إنها تنسى ما أتجشم فى سبيلها لأنيلها أكبر حظ من السعادة. وإنى لأعرض عن فتيات كثيرات فى وسعى أن أصل سببى بأسبابهن بغير عناء. وإنى لأنفق فوق ما يشير به حسن التدبير، فما أنا بذى سعة عظيمة فى الرزق. وأكون على موعد معها فلا أبالى ما يفوتنى فى سبيل لقائها، وأكون مريضا، أو متعبا، فأتحامل على نفسى فألقاها ولا أكون معها إلا هاشا باشا - ضاحكا مازحا - لأسرها. ولقد حرمت زوجتى بعض حقها، حين اختصصت ميمى بهذه العناية. فما من شك فى أنى أهمل امرأتى بعض الإهمال، وما جنت شيئا تستحق به ذلك، ولا ذنب لها فيما اعترانى من ملل لطول العشرة وفرط الألفة. وإنها أيضا لجديرة أن تمل وتسأم ولعلها تفعل، غير أنها تتجلد وتتشدد، ولا تبدى لى إلا الود والعطف، وإلا الفرح والإعجاب والزهو بى.. بى أنا المتلهى عنها بميمى.. أفلا تكون هذه الزوجة معذورة إذا اقتاست بى واحتذت مثالى، وذهبت تنشد التسلى والتلهى برجل آخر أصبى منى؟ رجل تكون فى عينه جديدة كميمى فى عينى؟ كل هذا تنساه أو تغض عنه ولا تحفله ميمى، ويسوءها - فتتجهم - أن عجلة انثقبت فقعدنا فى الطريق ساعة ننتظر إصلاحها وفاتنا ما يسهل اجتناؤه فى يوم آخر. وكان جمال الطريق مبتغانا، فتملينا بحسنه قاعدين، لا رائحين غادين. وتأخرت عن موعد عودها إلى بيتها قليلا».
وأحس أن ثورة نفسه تتفاقم، لا على ميمى، بل على نفسه وعلى الدنيا كلها، وما أصاره إلى هذا الحال، وعلى كفرانه حق زوجته. فقد كان فى قرارة نفسه يحبها ويجلها، ولا يستطيع أن يتصور دنياه خالية منها، ولكن إلفه لها فتره، فذهب يلتمس ما به يتجدد، وينشط، وينبعث.
وأراد أن يكبح هذه الثورة فقال لنفسه: «وميمى؟ ألا تتجشم فى سبيلى مثل ما أتجشم؟ ما حاجتها إلى؟ إن فى وسعها أن تتزوج وتهنأ، ولكنها لا تفعل. وليست فقيرة إلى مالى، فما لى مال يطمع فيه طامع، وما عرفت فيها الطمع، والقليل الذى أهديه إليها، تهدى إلى خيرا منه وأنفس. وهى تحرص على لقائى فى مواعيده ولو انطبقت السماء على الأرض. وأمها لا ينقضى عجبها لهذا الخروج فى أيام لا تختلف ساعة ولا تتقدم أو تتأخر دقيقة واحدة، ولا تنفك تلح عليها بالسؤال، وتلج فى استكشاف السر ، ولم تستطع فى عامين طويلين أن تهتدى إلى الحقيقة. ولو شاءت ميمى، أو طاشت، لورطتني عمدا أو عفوا. ولكنها لا تتطلع إلى شىء ولا تبغى إلا أن أكون معها.. هكذا.. ليس إلا.. وما عرفتها ندمت أو قلقت، أو عنيت بأن تمد عينها إلى الغد المحجوب، وما عسى أن يكون حالها فيه. وإنى لأحاول أن أحملها على تدبر هذا الغد، فتأبى إلا أن تصدف عنه وتعرض، لا يأسا منه، ولا مجازفة، بل لأنها راضية قانعة. وما أكثر ما قلت لها إنها تضيع شبابها معى، وإنها لتعيرنى من حرارته، ولكنها لا تستطيع أن ترد على شبابى بما تنفث فى من حرارة شبابها، وأنه أولى بها أن تكون ذات بعل شاب مثلها، فتصغى بعناية ولكن بابتسام ساخر، ثم تقول: «شاب؟ شاب إيه؟ ماذا أصنع بالشباب؟ الطيش والغرور؟ إذا حاولت أن أضع له اللجام، نبا فى العنان، وإذا ألقيته له جمح. وأنا الشقية فى الحالين. ثم الأولاد.. والبيت.. والمطبخ.. لا ياسيدى.. بدرى.. بدرى.. كل شىء فى أوانه. ثم ما عيبك أنت؟ رجل رزين حكيم، مجرب، ولم يذهب شبابك كما لا تفتأ تزعم. أو تحسب أن الشباب سواد الشعر ونضارة الجلد؟ إنك بنفسك أصبى من ألف شاب. وأنا أجد فى صحبتك ما لا يعرف الشبان كيف يتيحونه لى.. إن لى كل يوم جديد متعة أفيدها منك، وقد رفعتنى إليك، وأخلق بالشاب أن يهبط بى معه. ومنحتنى ما كان خليقا أن يفوتنى لولاك.. مزيتك هى مزية الكهولة الناضجة - لا تقاطع - لا تقل إنك لست الوحيد فى الدنيا أو الذى لا ند له، فإنى أعرف ذلك. ولكنى لا أعرف، ولم أعرف سواك. ثم إنى معك فى أمان من المخاوف. لا سوء عاقبة، ولا طرد من الجنة. أتذكر يوم قلت لى ليت أبانا آدم أكل من شجرة الحياة، ولم يأكل من شجرة المعرفة؟ لقد دار هذا فى نفسى مذ سمعته منك، فهل تعلم أنك أطعمتنى من شجرة الحياة، ومن شجرة المعرفة جميعا؟ ثق أنى معك أحيا، وأتعلم، وبلا ثمن أيضا، أو بثمن هين. وإنى لاكون شقية لو استقللت ذلك.. ثم مالك أنت ما دمت أنا راضية قريرة العين؟»
فكان يدهشه منها حكمة الطبع، وهى فى مثل سنها الغضة عجيبة نادرة.
وانتهى من هذا الحوار مع نفسه إلى أن الأولى أن ينتظر حتى يلقاها مرة أخرى فيرى ما يكون منها. فإذا عاد إليها بشرها تناسى الأمر كله. وإلا.. وإلا.. وإلا ماذا؟ لا يدرى.. ولكنه لا يطيق هذا التعبيس، وما من موجب لاحتمال ثقله، ثم إنه لا يفهم لماذا يتكلف الناس ما يفسدون به حياتهم؟ والتكلف جهد على الحالين فلماذا يتكلف الناس ما ينغص العيش ولا يتكلفون ما به يطيب؟
ولقيها فى الموعد المضروب. وكان ينتظرها على رصيف مسجد، وراها قبل أن تراه. وكان يسره منها أنها لا تتثنى فى مشيتها، ولا تتقصع، وأنها تسير غير ملتفتة أو عابئة بأحد. وسره منها فى يومه هذا أنها جاءت فى أحب ثيابها إليه وأشرحها لصدره، وكانت لا زاهية ولا قاتمة، ولا قطعة واحدة بل اثنتين، واحدة كالصدرية، بيضاء مخططة خطوطا زرقاء، دقيقة النسج، رحيبة، ولكنها لا فضفاضة ولا محبوكة، ولا تحجب ما يحسن أن يظهر من فتنة الصدر الممتلئ، ولا تبدى ما يجب - رفقا بطينة الإنسان - أن يستر. والكمان إلى القرب من المرفق، ففيهما من الاحتشام ما لا يمنع أن تحس العين لين الساعد ونعومته ورقته.
وقالت له: «كدت أتأخر.. جاءت بنت خالتى لزيارتنا ودعتنى للخروج معها لقضاء حاجات لها، واضحك.. لما دقت الجرس لم أكن أعرف من الزائرة أو الزائر فخفت أن أتأخر. وكان باقيا على موعد الخروج ربع ساعة فأسرعت وتناولت هذه الثياب فطرحتها على كرسى بحيث يراها من يدخل فيعرف أنى كنت أتهيأ للبسها أى للخروج فلا يطيل.. وقد سألتنى حين رأت الثوب: «أكنت خارجة؟» قلت: «نعم»، وشرعت فى ارتدائها أمامها، فقالت: طيب نخرج معا. قلت: لا يا ستى.. طريقى غير طريقك.. أنا مستعجلة.. فإذا كنت غير مستعجلة، فأنت فى بيتك. وقد كان. خرجت وتركتها، فما رأيك؟ أو لعل الأولى أن أسأل عن رأى أمى حين أعود فأسمعه منها».
وكانت تضحك وهى تروى له هذا الخبر. وكانت تقص عليه كل شىء فهى لا تقصد إلى المن. فنسى ما كان أمضه فى لقائهما السابق، وقال لها: «أظنك أخطأت حين تركتها.. كان ينبغى أن تبقى معها قليلا.. فما فى وقوفى لحظة أنتظر من بأس ما دام لك هذا العذر».
قالت: «لا يا سيدى ... لا بنت خالتى ولا بنت عمتى ... ومالك أنت على كل حال؟»
অজানা পৃষ্ঠা