ইব্রাহিম থানি
إبراهيم الثاني
জনগুলি
ووجم إبراهيم لما جاءه نعيها، فقالت له تحية وهى تربت له على كتفه: «اسمع. إنى لم أكلمك فى هذا قط، ولكنى أقول لك الان إنى آسفة.. اسفة من أجلها. والموت حسم، فاطو أنت أيضا الصفحة».
قال: «ولكنها لم تكن صفحة.. لا ليست صفحة فى حياتى ... هنا خطؤك. إنها كانت كتابا كاملا. ولكنه خطف من يدى، وأنا مازلت أجيل عينى فى صفحاته الأولى.. أوه أظن أنى أقول كلاما سخيفا.. لم يعد فى رأسى عقل. كل ما أشعر به أو أدريه أنه لم يكن ثم من بأس لو بقيت هذه المسكينه.. هل عندنا شىء من الشراب؟ هذا الموت ثقيل.. أكاد أرتاب فى حكمة الحياة والموت.. فى كل شىء.. لا ينبغى أن أكف عن التفكير فى أى شىء فى هذا اليوم».
ففهمت تحية وعذرت. وكانت تعرف تلف أعصابه وما عانى فى سنوات طويلات من عذاب النوراستينيا.
وما أكثر ما تفهم وتعذر المرأة الطيبة المخلصة الرحيمة.. ولعلها أجمل وأروع ما فى الدنيا.
5
أحس إبراهيم فى الشهور القليلة الأولى التى تلت وفاة عايدة أنه تغير، وأن حياته خلت من بعض ما كانت تجمل به وتطيب، وإن كانت هذه الفتاة المسكينة لم تستطع أن تملأ حياته. وكان هو ربما أحس أنه لم يعرفها معرفتها، وأنها مرت به تخطف ولا تتلبث.
وصار يلزم بيته ويعتكف فيه، معظم الوقت، ولا يخرج إلا لحاجة ملحة. وكانت تحية تدعه لخواطره ولا تتطفل عليه إلا أن يدعوها أو ينشد مجلسها فتكون معه ساكنة وادعة، متكلفة متجملة. وكان يمهد لها العذر ولا يلوم. فما احتملت امرأة مثل ما احتملت تحية منه، ولا تجاوزت بنت لحواء عن مثل ما تجاوزت عنه، وإن كان الذى كبر فى ظنها أوهاما. ولكنه كان مع ذلك يحس أن ليس له صديق، وأنه فقد الصديق يوم فقد أمه. وكان يقول لنفسه إن ألف ألف من أنصاف الصداقات خير منها صداقة واحدة تامة. وكل إنسان منا عالم قائم بذاته. والذى يستطيع أن يدير عينه فى حياة إنسان اخر ويتبينها على حقيقتها يكون قد استطاع أن يرى ويعرف عالما جديدا. ولم تكن تحية تتجهم أو تقصر فى لقائه بما تعرف أنه يحب، ولكنها كانت ساكنة، وكان هذا لا يشجع على التبسط أو المصارحة والتفاهم. وما أكثر ما تعجب فى خلوته الطويلة بنفسه لقدرة المرأة على إشقاء الرجل وتعذيبه من غير أن تنطق بكلمة جافية أو تفعل شيئا ينطوى على القسوة! وكان ربما خطر له أن قوة المرأة مهولة، وصولتها فظيعة، وسطوتها لا يستخف بها عاقل؟ وأنها لهذا خطرة ومستبدة، وأن ودها من أجل ذلك له قيمته، وعطفها جدير أن يطلب وينشد.
على أنه لم يسخط ولم يتذمر، فقد كان يؤثر الإنصاف على صعوبته ومشقة التكلف فيه. فكان يحدث نفسه أنه هو الذى جنى هذا، وأن عليه أن يمهل تحية - أو يستمهلها - حتى ترى منه ما يعيد إليها البشاشة والطلاقة والخفة والنشاط، ولابد لذلك من عودة الثقة وحصول الاطمئنان. ولم يسعه إلا أن يبتسم، إذ خطر له أن الزواج يشبه لبس الحذاء، والأعزب كالذى اعتاد الحفى، فإذا لبس حذاء شعر بالضيق والكرب. والزوج الذى يهمل زوجته زمنا ما، يكون كالذى ترك حذاء وتحذى سواه. فإذا عاد إلى الأول أتعبه وأحس أنه ناشف، لا يلين لقدمه، أو أن رأسه المستدق أضيق مما ينبغى، أو أن لسانه قد تلوى، أو أن جانبيه قد تقبضا، أو أنه يزم زما محكما. والمواظبة والصبر لا غنى عنهما حتى يلين الحذاء ويعود مريحا كما كان.
وذكر بهذا المثل الحذاء الصينى الذى يقال إن المرأة تصب قدمها فى قالب منه. فقال لنفسه إن هذا هو مثال اطراد الحياة على نسق واحد لا يتغير. وليست الحياة - أو لا ينبغى أن تكون - كذلك، وإنما الحياة - كما يقول سبنسر - محاولة مستمرة لتنسيق العلاقات الخارجية والداخلية أو التوفيق بين النفس وغيرها. فإذا كان كل ما أفادنى من التحصيل والتجربة لا يعيننى على التوفيق بين نفسى وبين الحياة، فأنا إذن لا خير فى ولا أمل. فالصبر الصبر يا هذا.
وأراد أن يسرها ويبرها، فإن الصبر وحده لا يكفى، ولا مفر من مجهود يبذله لتعود فتسكن إليه وتثق بأنه عاد إليها كله لا بجانب من نفسه. وذكر أنها كانت قالت له لما اتخذ هذا البيت مسكنا: «إن ساكن الضواحى القصية لا يستغنى عن سيارة»، فسألها يومئذ: «هل تشتهين أن تكون لك سيارة؟» فكان ردها: «وأى امرأة لا تشتهى ذلك؟ ولكنه بذخ لا أحسبه يدخل فى طوقنا فلا تعجل». فسكت، ونسى، إلى أن كان ما كان مما أسلفنا عليه القول، فاغتنم فرصة مزاد تباع فيه مقتنيات إنجليزى أزمع العودة إلى وطنه. وكان بين المعروضات سيارة متينة البناء سليمة المحرك إلا أنها حائلة اللون، غير ذات رونق، فاشتراها بمبلغ زهيد.
অজানা পৃষ্ঠা