ইব্রাহিম থানি
إبراهيم الثاني
জনগুলি
وذهبوا جميعا إلى السينما لأن عايدة ذكرتها. وشهدوا رواية فيها مهندس ناهز الأربعين يقول لفتاة صغيرة السن إن عليها أن تخشى أمثاله من الكبار المجربين فإن لهم لحيلا وخبرة باقتناص قلوب العذارى، وليس للشبان مثل خبرتهم أو قدرتهم على الاحتيال، فهم - أى الكبار المجربون - أخطر من الشبان على الفتيات الغريرات.
ومال على عايدة وقال: «هذا صحيح. لقد أخلص الرجل لها النصح».
فقالت عايدة: «ألك خبرة مثله؟» فأحرجه هذا السؤال، ولم يدر كيف يجيب. لأنه لو قال إنه لا خبرة له صار فى عينها غريرا وفقد مزية السن. وإن قال إنه ذو خبرة كان هذا اعترافا غير لائق. فاثر أن يكتفى بنظرة، فألقاها إليها كأنما يريد أن يقول: «يا خبيثة» فابتسمت وثنت رأسها ناظرة إلى حجرها. واستغرب هو جرأتها على هذا السؤال. وكبر فى وهمه أنه ممن تخلفوا عن ركب الحياة، فلعل الجيل الجديد لا يرى فى السؤال ما يعد اجتراء غير لائق.
وأبت تحية إلا أن تتعشى عايدة معهما: «لتتوثق الصلة بينك وبين زوجى» كما قالت، فرفعت هذه البساطة الكلفة. وأحس الجميع أنهم من أسرة واحدة، وأن معرفتهم ترجع إلى عهد بعيد. وعادت عايدة تسأل: «هل صحيح ما قاله هذا المهندس فى الرواية من أن الكبار أخطر على الفتيات من الشبان؟» فلم يرتح إلى هذه الكرة إلى الموضوع، وثقلت عليه. وآلى ليحرجنها كما تحرجه فقال: «قولى لنا أنت أولا ما رأيك؟» فقالت ببساطة: «أنا لا أحب الشبان»، ثم نظرت إليه وسألته: «وما رأيك أنت؟» قال: «رأيي أن الكبار يمكن أن يقال على العموم إنهم أعقل وأرشد، وأقل اندفاعا، وأأمن على الفتيات». والتفتت تحية إليه وقالت: «أليس صحيحا أن الكبار حين يعشقون يندبون ويغرقون إلى الاذان؟» فقال: «ليس هناك ضابط لهذه الأمور، ولا يمكن استخلاص قاعدة أو حكم عام. فمن الشبان المندفع، والذى يضبط نفسه ويكبحها. ومن الشيوخ أو على الأصح الكبار، الذى يفقد إرادته والذى يحتفظ بها. والدنيا تحتاج إلى كل صنوف الناس لتكون دنيا.. كلا.. ليس هناك حكم عام ولا سبيل إلى الجزم بشىء».
وخيل إليه أن هذه الفتاة أجرأ من رأى فى حياته، فقد عادت تسأله: «ومن أى الفريقين أنت؟ المندفع أم الحكيم؟»
فابتسم ابتسامة متكلفة لم تخف سخطه على السؤال والسائلة وقال: «هذا تسأل عنه تحية». فعادت تقول: «ألا تعرف نفسك؟» قال: «لو عرفت نفسى لكنت أحكم الحكماء». واغتنم الفرص فاستطرد وقال: «إن الإنسان كثيرا ما يتوهم أنه يعرف نفسه، ولكن هذا خطأ أو غرور لأنه لا يستطيع أن يعرف كيف يكون سلوكه فى المواقف التى تعرض له، وأنا لم أجرب كل حالة ممكنة، حتى أستطيع أن أعرف كيف يكون سلوكى فى كل موقف محتمل. ثم إن الإنسان يتغير، والذى يراه اليوم صوابا قد يراه فى غده خطأ. والذى كان يعده بالأمس فضيلة، قد يعده فى يوم آخر ضعفا أو قلة حيلة. وكل إنسان فى الحقيقة عبارة عن عدة أناس يجىء بعضها فى أثر بعض. رأيه يتغير، وإحساسه يختلف، كما يتغير جسمه سنة بعد سنة، ويختلف مظهره على كر الأعوام. وقد يفعل المرء الشىء اليوم فإذا كان الغد فعل غيره، لأن كل شىء تغير، هو والدنيا».
2
ورأت تحية من حال زوجها - على الرغم من تحرزه - أنه يصغو بوده إلى عايدة، فأقلقها ما يقلق المرأة، ولكن معرفتها وخبرتها به وثقتها أنه لا يندفع ولا يتورط، ويقينها أن حدة شعوره بذاته وشدة تحفظه بكرامته، تساعده على تغليب إرادته وعقله على هواه. كل هذا طمأنها وأقنعها بأن لا خوف عليه من عايدة أو سوها، وأن الحزامة أن لا تعترض سبيله، أو تحاول أن تأخذ عليه متوجهه. فقد كان فيه عناد وجموح، لا يخفيهما أنه لين سلس القياد. فما قال لها قط: «لا»، ولكنها ما استطاعت فى حياتها الطويلة معه أن تفعل شيئا على خلاف رأيه، ولا نازعتها نفسها أن تخالفه. وذكرت قوله لها مرات عديدة، بعبارات شتى، إن الناس فى ركب الحياة رفقاء إلى حين، فليس أسخف من أن يقضوا الفترة القصيرة المتاحة لهم فى خلاف ونزاع، وشجار ونقار. والمثل الحكيم يقول اختر الرفيق قبل الطريق. ولست أعلم أن للمرء اختيارا، وأنا أشك فى حريته فى ذلك. ولكن المثل مع ذلك يعجبنى. والرفيق لا يختار ويتخذ للتنغيص والتغثية. وسواء أكان أم لم يكن للمرء اختيار، فإن الحكمة تقتضى أن يحاول الرفقاء فى هذه الرحلة أن يجعلوها مرضية على قدر ما يتسنى لهم ذلك، وإلا كانوا قليلى العقل. وما خلقت الدنيا لواحد دون واحد، ولا أعطيت الحياة لمخلوق دون مخلوق، والخلق جميعا سواء فى الحقوق والواجبات. أفليس الأولى إذن أن يتحروا التعاون ويجروا على سنة التسامح؟ ولفظ التسامح هنا فى غير موضعه، وخير من ذلك أن نقول الاعتراف بحق كل امرئ فى عمل ما لا يضير غيره».
وكان منحاه الخاص فى التفكير، وما تعرفه بالتجربة من حرصه على احترام حق غيره، كاحترامه حق نفسه، واتقائه أن يسىء إلى أحد، وقدرته على وضع نفسه فى موضع سواه ليكون أشد إنصافا له. كان هذا هو الذى طمأنها، فأقدمت غير مترددة على توثيق صلته بعايدة وإن كانت أصبى منها وآنق حسنا وأنضر شبابا وأكثر رونقا. وناهيك بقلب امرأة تحتمل الإقدام على ما قد يؤدى إلى تضحية. وكان شعور خفى فى قرارة نفسها يقول لها إن زوجها سيعرف لها هذا الجميل ويحفظه، فإنها تعده شكورا غير جحود، ومنصفا لا يظلم ولا يغبن. وسرها من نفسها أنها قصت عليه من أخبار عايدة ما هو خليق أن يعطف قلبه عليها. وكانت فى هذا حكيمة وهى لا تدرى، فقد جعلت علاقته بها علاقة عطف ورحمة، وحمتها أن تكون علاقة حب وعشق، فحكت له أن أباها كان رجلا حسن الحال، ميسور الرزق، ولكنه كان متلافا. فلما قضى نحبه فجأة لم يترك شيئا. وكان من حسن الحظ أن أمها استطاعت أن تحتفظ ببضعة فدادين قليلة لا تزيد على العشرة، وبنصف بيت فى حى وطنى لا يغل أكثر من ثلاثة جنيهات، وبهذه الدار المقابلة لدارهما. ولعايدة أخت كبرى متزوجة ، مرفهة، ولكنها تحاول أن تغرى أمها أن تبيعها الأرض والعقار. وعايدة تقاوم ذلك وتجاهد أن تصرف أمها عنه، ليبقى لها شىء تعتمد عليه فى حياتها. وقد أورث عايدة هذا الأضطراب تلفا فى الأعصاب وأصيبت إحدى عينيها بما كاد يذهب ببصرها، لولا لطف الله وقد صنع لها الطبيب بعد شفائها نظارة أوصاها أن لا تنزعها، ولا تضعها عن عينها. ولكنها تخجل وتتوهم أن اتخاذ النظارة يسلكها مع العميان، فيزداد ما تتوهمه من زهد الرجال فيها، وانصرافهم عنها. وكأنما هذا لم يكن كافيا، فاعتراها وسواس يخيل إليها أنها مريضة الصدر، وأنها ستصاب لا محالة بذات الرئة. فهى لا تزال تعرض نفسها على الأطباء، ولا تنفك كل بضعة شهور تصور صدرها بالأشعة لتطمئن، فلا تطمئن، ولا تزول الهواجس. وقد قل أكلها، وطال سهدها وتعب قلبها قليلا، والأزمات العصبية تنتابها وتتركها مهدمة محطمة.
على أن تحية عنيت أيضا بأن تحيط زوجها بغير عايدة من الفتيات الحسان من معارفها، حتى لا تصبح عايدة عادة له ولتدخل السرور على نفسه، وتضىء وجوه العيش فى عينه، وتنشر البشر والبشاشة فى جو حياته. غير أنه كان يؤثر عايدة على الأخريات، ويختصها بالميل والود. فلما رأت تحية ذلك كفت عن «التوسع» وتركته معها على ما يحب من الحال. وكان هو فى أول الأمر يقنع بالحديث والنظر، وقلما كانت تقول شيئا أو تزيد على السؤال، فيروح يتدفق، ويسره منها حسن إصغائها، وإن كان يسخطه أنها شديدة الاحترام له، حتى لبلغ من ذلك أنها ما كانت تجرؤ أن تدعوه باسمه فكانت تدعوه «الأستاذ»، وتستغنى بذلك عن الأسماء والألقاب. وكان هو يكره ذلك ويشعر أنه يجعل بينهما بونا يتعاظم المجتاز، أو على الأقل يقيم بينهما حدودا من التكلف لا داعى لها، ولا خير فيها. فما كان مطلبه «الاحترام»، ولا كان ينقصه أن يعرف أن له فى النفوس مهابة، وإنما كان يريد - وهو يخاطبها - أن ينسى أن بينه وبينها مسافة من العمر تزيد على عشرين عاما.
অজানা পৃষ্ঠা