ইব্রাহিম কাতিব
إبراهيم الكاتب
জনগুলি
فتركه إبراهيم آسفا ولم يتحول إلى السلم؛ بل قصد إلى نافذة غرفته مخترقا إليها الحديقة، وطاف برأسه العجب من أن تأسر الأرض رجلا كهذا، وتقيده إليها سبعين حجة، ما أقوى هذه الأرض التي لا يعود رجل مثله يطيق فراقها أو حرمان رائحتها! وأدار عينيه في الحديقة وهو سائر لا يلتفت إلى شوشو التي كانت تشور له أن يرتد ويتحول، ورمى طرفه إلى المساحات المترامية وراء السور، ثم رده إلى جمال الغصون وسحر الألوان إذ تخفق الأفنان في ضوء الشمس. فلم يعد عجيبا أن يتدفق حب هذه الأرض في عروق أبنائها ويجري من دمائهم، وهم الذين يفلحونها ويتعهدونها بما يزيدها خصبا، ويرصدون لها عيونهم وقلوبهم حتى يعودوا من فرط إلفها لا يطيقون أن يبرحوها؛ وأن تخطئ لحاظهم غضارتها ونضارتها وخضرتها الندية وشمسها دافقة الحرارة وجوها الطليق ونسيمها العطر، ومطرها المنهمر وسحبها المتكاثفة طبقات بعضها فوق بعض، وماشيتها، وكل ما حفلت به من حيوانات صغيرة وكبيرة، لها كل ساعة بل كل لحظة تجديد.
وصار تحت النافذة فأومأ لشوشو وقال: من هنا. أطعميني من هنا.
فابتسمت. ما أحلى وجهها وأعمق عينيها! لم يرها قط أصبح ولا أجمل منها اليوم. وكانت عينها تنتقل من الطعام إلى الأرض ثم قالت: ولكن كيف أستطيع؟ تعال إلي. هذا أحسن.
فهز رأسه مصرا وأعلن اكتفاءه بلقمة وقطعة من الجبن أو بضع زيتونات، واهتز كيانه سرورا بتناول الطعام على هذه الطريقة. وراق خياله أن تلقي إليه شوشو باللقمة بعد الأخرى وأن يتلقف ما تلقي، بل أن تفلت اللقمة وتخطئها كفه وتقع فيلتقطها ويلتهمها بكل ما يعلق بها، ولكن شوشو كانت تهم أن تلقي إليه برغيف كامل حشته ما لا تعرف فصاح بها: لالا. لقمة لقمة. من فضلك.
فرمت إيه نظرة دل واغتباط، وضحكت وراحت تطعمه على نحو ما أراد، وهو يشعر بالحاجة إلى التوثب والقفز، ولا يكاد يطيق الوقوف على قدميه. وكانت ربما أوهمته أنها ملقية إليه باللقمة فيمد كفيه ليتلقاها فتخيب أمله، فيضحكان ويكون هذا أحلى وأمتع.
ولما أصاب كفايته من الطعام، قال لها: ليس في الحديقة أحد غير هذا الشيخ الهرم. فانزلي إلى.
فنظرت إليه مفكرة. ثم حنت على النافذة وأطلت بوجهها وصدرها وتلفتت، وكأنما اطمأنت فقالت: من هنا؟ أتتلقفني إذا هبطت إليك؟ - كلا. تعالي من السلم الآخر.
فصاح يردها وقد خاف أن تجازف: ومضى ليسبقها إلى المدخل ويستقبلها عنده. ولم تلبث أن جاءت تعدو فتخشى أن تزل قدمها في الزحاليق، فدفع ذراعيه ليقيها العثور وهي تجري مقبلة، فإذا بها ترتمي بينهما، فكاد يقع بها ولكنه كان قريبا من الحائط فاعتمد عليه بكتفه، ولو كان الأمر إلى شعوره وإلى ما يشي به سكونها بين ذراعيه من الرغبة في البقاء، لظل يحتضنها، ولكنها كانت شوشو - بنت خالته وصديقته الصغيرة التي كم داعبها وهي طفلة، وخرج بها للرياضة والنزهة، وكم ركبت ظهره وزحف بها على البساط! وكم دفعت كفها الصغير في جيوبه باحثة عن الشكولاتة والحلوى واللعب الدقيقة التي اعتاد أن يشتريها لها ويبقيها معه حتى تتاح له فرصة يقدمها إليها فيها من غير أن ترى أختها الأخرى! وكم تسللت إلى سريره وراحت تمسح له وجهه وهو نائم بيدها اللينة دقيقة الأصابع، حتى يفتح عينيه ويثاءب، فتلثم أقرب ما يكون إليها منه، وكثيرا ما قبلت اللحاف، ثم تضحك فيبتسم ويعجب كيف لا يغضبه منها إزعاجها له وإيقاظه، وتشد ذراعه وقد تجر رجليه لينزل عن السرير ويلاعبها.
طافت برأسه هذه الصور ومئات غيرها من أيام طفولتها فاحمر وجهه، وأنكر من نفسه أن يتركها بين ذراعيه! ولكنها كانت كالعصفور وجد وكره واطمأن إلى عشه، فلم يجد في قلبه من جفوة الطبع وقسوة النفس ما يشجعه على أن يدفعها بغير مراعاة لها أو اكتراث لإحساسها. فمسح شعرها بكفه - إيه ما أنعمه وأبدعه متوهجا في ضوء الشمس! وهمس في أذنها «شوشو» فرفعت إليه عينيها في فتور كأنما كانت تحلم فربت لها على كتفها وقال: «هلم بنا» فاعتمدت على كفيها - وكانتا على كتفيه - وحملت نفسها في تثاقل وبطء وبجهد واضح.
الفصل الثاني عشر
অজানা পৃষ্ঠা